جدو و تيتة...
راحوا فين؟؟؟
كنت صغيرة، في عامي الثامن أو التاسع بالكاد. كان يأخذنا كل يوم أحد من المدرسة...ينتظرنا بالخارج بسيارته.
كنا نفرح كثيراً أكثر من فرحتنا بأبينا القاسي.
كنا نقفز..نقفز فرحاً. لا لا ..بل كنا نطير طرباً.
يأخذنا بسيارته.
ننتظره...و ننتظره...
طال الانتظار...
-هيا يا حسن!
-لا أنا أعلم أنه سيأتي.
-بابا هيزعق و ممكن يضربنا.
-لأ جدو هييجي.
-طب مشيت الدادة ليه؟
-عشان هوة هييجي دلوقت.
و انتظرناه....لكنه لم يأتِ.و كما توقعت أتى من لا يرحم....بابا.
علا صوته ليملأ فناء المدرسة.
في البيت كانت العلقة ساخنة.
لكن جدي عندما سمع بالأمر وبخه..
أحسنتَ يا جدي.
في الصباح كان يأخذنا جدنا في سيارته إلى المدرسة.
كنا نصحو مبكراً.
نصعد الدرج.
نطرق الأبواب.
نقتحم الشقة.
لم تكن الجدة قد احتلت مكاناً في القلوب بعد.
ندخل مسرعين إلى حجرته.
نوقظه من نومه.
يبتسم لنا ابتسامته المليئة بالحب و الحنان....
يدخل الحمام.
ننتظره..
لكن عيناً في باب الحمام كانت تدفعنا بفضول الأطفال أن نكتشف ما يفعل.
كان يضع رأسه الجميل تحت الصنبور.
ثم يمشط شعره بعد أن يضع الفازلين الأخضر من العبوة المستديرة.
ثم يفتح الباب فيبتسم عندما يرانا إلى جوار الباب.
و تدخل تيتة..
بيديها كوبان:كوب صغير به العسل الأسود و عليه قليل من عصير الليمون..و كوب كبير باللبن الأبيض الذي كنت أكره شربه.
يشرب الأول ثم التالي.
نسرع و نحضر له بنطاله.
و حزامه الذي نتشاجر من سيضعه في البنطال...أقفز و يقفز أخي فيفصل الجد بيننا فأضع طرف الحزام في عروة و يضع أخي الطرف في العروة التي تليها...حتى تكتمل ملابسه.
-بابا بينده. يصرخ حسن مرتعشاً.
أطمأن لما أرى على وجه جدي من علامات بالسكينة و الهدوء.
نسرع
و يسرع خلفنا
ها قد وصلنا متأخرين إلى المدرسة..
لكننا كنا فرحين جداً
و قبل أن نصل، اتأمل السيارة من الداخل: علامة رأس جدي طويل القامة في سقف السيارة..
لكنه في المرة الأخيرة قد وعد
وعد أن يأخذنا في نزهة بسيارته الجديدة التي سيشتريها.
في طريقنا للمنزل بعد انتهاء اليوم الدراسي.
حسن يختصر الطريق و هو يغيظني:هعدي من هنا عشان أوصل قبليكي...هروح أشوف جدو قبلك و أنتِ لأة..
-حسن..أنا مالي أنا همشي من هنا.
و في الطريق ألمح من بعيد سيارته.
جدي و أقبله للمرة الأخيرة.
أقبله بشدة و أنا لا أدري لماذا لا تمنعني القبلات.
جدو استنى حسن عايز يشوفك.
جدو يرد: و فين هوة؟؟
أقول له: راح من هناك عشان يوصل قبلي و أنتَ جيت من هنا ...استنى يا جدو هناديهولك.
جدو يقول: هاجيلكم تاني.
-إمتى يا جدو مش كنت بتقول هتفسحنا بالعربية الجديدة؟؟؟
-المرة الجاية عشان أروح العاشر.
و يروح جدو العاشر.
و ننتظره عشان ييجي.
الله...جدو ما جاش ليه؟؟
يتصل الأبناء به في المحل بالزمالك.
و لا مجيب.
إذن فهي رحلة الذهاب و العودة الطويلة.
تنطلق سيارة أبي، و خالي و عمو حسن زوج خالتي.
في الصباح تتوارى منا أمنا.
أرى عينيها المنتفختين فأعتقد أن تيتة حدث لها شيء ما فقد كانت تعاني من ارتفاع بالحرارة و رعشة قوية.
حسن يستيقظ.
لا يوقظه الخال و عمو حسن.
أبي و خالي و خالي و عمو حسن في البلكونة بحجرتنا.
حسن يبكي بكاءً شديداً.
أتلصص لأعرف لماذا يبكي....فلا يجيب.
أرتدي ملابسي مع ألف علامة استفهام.
أخي لا يجيب.
خالي لا يجيب.
أبي لا يجيب.
و العينان المنتفختان تقلقاني.
في الطريق يأتي أبي على غير العادة ليأخذنا إلى المدرسة.
أسأله بإلحاحِ شديد: في إيه يا بابا؟
يرد قائلاً: مش تيتة فوزية ماتت؟و جدو أحمد مات؟ ..... جدو حسن كمان مات.
صدمت.
لم أعرف ماذا أجيب؟
لم أصرخ.
نعم أحبه...لكن أبي أخبرني إذا بكيت سيتعذب.
و أنا لا أريد له عذاباً.
في الطريق الذي استكملته مع أخي إلى المدرسة، كنت أغني في سري أغنية: ياللا نعدي الصعب مش بإيدينا بإيدينا... ياللا نعدي الصعب و برجلينا برجلينا...يا دنيا إيه لزمته الحزن و إيه فايدته....
أغنية ألفتها من كتر أغاني كنت بسمعها كتيييييير في الوقت ده.
جدو مات .
جدو مات...
بس تيتة احتلت مكانها في قلبي.
مش هحكيلكم دلوقتي
عشان لازم أروح أغسل وشي.
عشان اللي ما بكيتهوش في صغري ببكيه كتير قوي دلوقت.
و سلام