المتابعون

الجمعة، 9 أكتوبر 2009

أشتاق إليكِ











علمتني أن أعود إليها و أركن إلى جسدها و أميل على خدها فأقبلها و أقبل جبينها. في كل ليلة أشتاق إليها، تأتيني فأجدها تطوقني بذراعيها و ارتمي بقوة في أحضانها، فتمد إليَّ يدها و تقول: مالك يامه؟
"مالك يامه؟" أتأمل الكلمة. مَنْ أمُّ مَنْ؟ هل كنتُ أنا أُمُّها؟ أم كانت لي أماً و أختاً و صديقة؟؟
أقترب منها فأروي لها ما قد دار بيني و بين فلان و فلانة، فتقدم لي النصيحة.
كانت تقول لي كلمات ذهبية: معرفة الناس كنوز... السفيه داريه و هات كحك بسكر و هاديه.
هذا بالإضافة إلى أغنيتها الشهيرة: يا رانيا يا غالية...خُطَّابِك تمانية...اتنين يجيبوا اللحمة...و اتنين يجيبوا البامية...و اتنين يقولوا لاتنين...بنت الأكابر غالية.
لم تغنيها إلا لي.
حاولت كل بناتها أن تستخرجها من شفتيها لبناتهن، لكن عبثاً حاولوا.
كانت لي و ستكون.
أغنية جدتي.
حتى أختي الصغيرة لم تنعم بهذا الغناء.
سجّل لها عمي في بيته أغانيها القديمة الجميلة على شريط.
و المفاجأة عند سماعي الشريط. سمعتها رغم كل هذا تغني لي. لم يمنعها وجودها في بيت عمي و خالتي و أمام بناتهما أن تغني لي.
غنت و شدت و باسمي تصدرت القلوب.
تأتيني ليلاً فأراها بيديها التي تمدها إلي فتقول: مالك يامَّه؟
تبكيني و تضحكني عندما أتخيلها لما كانت تخلع أسنانها فتقول: تعرفي تعملي كده؟
تضحكني أيضاً عندما أتخيلني مكشرة فترى هي العبوس على وجهي فترفع حاجبيها و تنزلهما في حركات تشبه حركات الرجال في مغازلة النساء قديماً.
تضحكني، فتبكيني السنون التي مرت على وفاتها.
مرت أربع سنوات على الرحيل.
كان يوماً غريباً.
أتذكره في منتصف رمضان.
التاسع عشر من أكتوبر عام 2005
كتبت النهاية.
و كتبت ليّ أيضاً نهاية.
قبلها بليلتين كانت تتألم ليلاً حين ساد الظلام شقتنا فرحتُ أتحسس بخطواتي باب الحجرة حتى وصلت إليها فوجدتها تطوقني بذراعيها، فقلتُ لها: بتناديني يا تيتة؟ أنتِ كنتِ بتنادي؟
و أجدها تتشبث بي...فأميلها على جانبها الآخر.و أقرأ على ظهرها يس. و أتمنى لو كانت هذه آخر ما أتلوه عليها لتدخل بها الجنة.. و أتراجع متمنية لها الشفاء. فمَنْ لي سواها مِن بعد الممات؟
أتذكر بقع الدماء التي كانت تنزفها على الأرض، فأقوم و أمسحها و تتزايد مخاوفي. فتخرج من الحمام و تتحسس الأرضَ بقدميها و تجد في يدي ما نشفت به الدماء، فتسألني، و أجيبها: لا شيءَ أردتُ فقط أن أرطب الجو. الدنيا حر يا تيتة.
أتوسلُ ليلاً إلى الخال ليأخذها إلى الطبيب. يقول لي هامساً: العملية خطيرة عليها في السن ده.
أتمنى أن تكون لديَ سيارة. الآن لم تعُد تجدي فالجدة ماتت.
كنتُ حتى لو سأمتلكها بعد وفاتها، لن أسمح لأحد أن يستقر فوق الكرسي إلى جواري. كنتُ سأربط عليه فستانها التي روت لي أنني وُلِدتُ به....مكانكم! ده مكان تيتة.






هناك تعليق واحد:

  1. والله وجعتيني وبكتيني يا رانيا
    أنا حبيت تيتة قوي على فكرة

    رحمة الله عليها ، وربنا يجمعك بها في عليين
    ...

    ردحذف

أشكر لك المتابعة والتفاعل بالتعليق