أمس فقط شعرت كم أنا محتاجة للعمل.. ربما كان البعض يعمل لدى هيئة أو مؤسسة حكومية أو جهة أعمالٍ خاصة أو أو أو .... لكنني أظل الوحيدة التي تنتظر هاتفها يدق فتأخذ الأمر بالعمل لتستعد للنزول صباحًا ولمدة يومٍ واحد لا تدري إن كان سيأتي بالكثير أم بالقليل. وتظلُ الأعينُ ترصدني في كل مكان، كيف أتحرك، ومَن معي، وكم حصلت في آخر يومي، وهل أنفقه فيما يفيد أم أنفقه فيما لا يفيد، وكيف سأنفقه، وهل بالفعل أستحق ما حصلت عليه لأنفق وأنا وحيدة لا أسرة ولا عيال ولا بيت كي أنفق عليه!!! أسئلة كثيرة عليَّ أن أواجهها. ومع أول جنيه أنفقته مما ادخرته أمي لجهاز عرسي شعرت كم أحتاج أن أعود إلى العمل..
عندما التحقتُ بكليتي كنتُ أتمنى أن أتخرج فيها لتحسين ظروفنا المعيشية وظروفي الاجتماعية ومن ثَمَّ أتزوجُ بمَن يليق بي، لستُ طامعةً في أكثر مما أرى ممن حولي من انتظارٍ للشخص المأمول الذي يُرضي ليس فقط العائلة وإنما يُرضي طموحي الشخصي.. مهلًا فأنا لا أطمع في الكثير. لا أريدُ ما تريده باقي الفتيات، وحتى إن أردتُ فلماذا أكون أنا أقل وأدنى منهنَّ؟ لا لا أريد سوى القليل القليل.. ولكن القليل لا يعني أقل أيضًا مما أريد. لن أتنازل عن أبٍ محترمٍ لأبنائي. لن أتنازل عن القيم والأخلاقيات والعادات المحترمة المحمودة التي يربي عليها أبنائي بعيدًا عن موروثات وثقافات المجتمع الخاطئة. أعلمُ إنها ليست مشكلتي وحدي لكنني أسعى كثيرًا لحلها وسط الصراعات الأسرية، وصراع العمر الذي يخطف رويدًا رويدًا الحلم مني، وصراع الأعين التي ترصدني جيئةً وذهابًا.
اعترافاتي هذه قد تُسجلُ ضدي رغم اقتناعي التام أنها شكلٌ يُرضيني على المستوى الشخصي قد لا يقبله أحدٌ في المستقبل إلا أنني أرفضُ أنانية رجلٍ يُحاسبني على ماضٍ لم يمتلكني فيه. نعم من حقي أن تكون لي اعترافات ومساحات كبيرة من البوح الذهني حتى وإن لم أجد ما يقرأ عني الكثير أو لا يعرفُ حتى قراءتي، ويظلُ حُلمي ان أجد مَن يعرف القراءة .. قراءة المشاعر وقراءة الإنسان قبل قراءة المادة والحس الخارجي.
قد تعد الفتيات خطواتها على المستوى الشخصي انتصارًا، فلا أنسى أبدًا أحلام الفتيات الأخرى في اللحاق بي أو حتى أن تتخطاني. تلك التي تزوجت بشابٍ كامل الأوصاف تسعى إلى الانتساب لعائلته الكثير من الفتيات، وتلك التي تعمل في إحدى شركات البترول أو تعمل مهندسة بإحدى قلاع الاستثمار في مصر والشرق الأوسط، وتلك التي سعى والداها أن تكمل دراساتها العليا لتصبح الأستاذة الدكتورة. ومازلن يرصدن ما وصلتُ أنا إليه. يقفن أمامي لينظرن إليَّ دومًا في الخلف. هُنَّ أفضلُ مني أو هكذا يعتقدن ولا أقولها لأنني أفاضل بيني وبينهن إلا أنني أراها تلمع في أعينهن دائمًا حتى لو كنتُ أتجاهلها، لكنني لا أستطيع أن أتغافل ما قد وصلتُ إليه من طموحاتٍ زائفة.
يسعى أحدهم إلى التقرب مني رغم الفارق في العمر بيني وبينه فأنا أكبره بثلاث إلى أربع سنوات، هو شابٌ قد يُناسب إحداهن فبالإضافةِ إلى مهنته المرموقة أراه يسعى إلى تحسين ظروفه كثيرًا بتعلم مهارات ولغات والاجتهاد في كل شيء، لكنني لا أريده فهو ليس فقط أصغر مني سنًّا وإنما قد يتناسب مع فتاةٍ صغيرة أقطعُ عليها الفرصة في أن يبنيا معًا مستقبلهما، وأنا لم أعتد طيلةَ حياتي أن آخذ ما ليس لي، بل تعودتُ الانسحاب في الوقت المناسب لكي لا أحصل على ما لا أستحق ويستحقه الآخرون.
أرى السخريةَ في أعين الصغيرات اللاتي لا أكرههن وإنما أكره تصرفاتهن الغبية التي يبثها فيهن الآباء ليس فقط ليصبحن أفضل مني وإنما لتوبخني أعينهن بقلة حيلتي. لن أنسى أبدًا ما فعلهُ أمامي ليتباهى بخطيب ابنته المهندس بشركة البترول الذي يبدل في سيارتيه الفارهتين، ولن أنسى كذلك الآخر الذي يُطلق من آنٍ لآخر كلمات السخرية الغبية والتي تمتزجُ بالغيظ والحقد مني وآخرها ما قاله حينما قَدَّرَ ما أحصلُ عليه شهريًّا بألفي جنيه... ها ها هاااااااااااا!!!
أحاولُ من آنٍ لآخر أن أسعدَ بالبسيط من الأشياء: وردة جميلة بلونٍ أجمل أنتعشُ دومًا لرقتها بين مثيلاتها من الزهور.. بالونة تتألق وسط بالونات متعددة تمسكُها يدُ فتاةٍ صغيرة في الطريق.. ملابس جديدة قد تغير من شكلي الخارجي ومن آلامي الداخلية.. أيادٍ تحضنني وشفاهٌ تقبلني في آخر اللقاء لعجوزٍ تجلسُ بجواري وتدعي لي إذا تجاذبتُ الحديث معها.. أحضان أخرى كاذبة أفتقدها من أقرب الناس إليَّ أبي، أخي، وأخيرًا أمي..
الأشياءُ البسيطة كثيرةٌ لكنها لا تتغير، حتى كونها في الخيال لا يجعلني أنتفي وجودها...
أشتاقُ إلى مصحفي، أشتاقُ إلى قصص الأنبياء والطاهرين، أشتاق كذلك لطهر مريم وعفافها وقصر آسيا المصلوبة على الشجرة تنتظر اللقاء فتبتسم. أشتاقُ إلى كفِّ النبي يمسح عني آلامي. أشتاقُ إلى رؤية صغيري يمشي ويجري ويبتسم وينطقها عاليةً تشقُّ مسامعهم أجمعين: ماماااااااااااااااااااااا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
أشكر لك المتابعة والتفاعل بالتعليق