كان يومًا لا أنسى تفاصيله. قبل المدرسة بأيام نتحضر ونستعد بالنوم مبكرًا قليلًا هذا بالطبع بعد محايلات من الوالدة والوالد وبالأخص عشية بدء الدراسة التي لا تجعلنا نغمض عينينا أنا وأخي. في الصباح نستيقظ وأكونُ قبلها قد جهزتُ مريلة المدرسة أو الجيب التي صنعتها أمي وجدتي بأيديهما الجميلة، وشرائط الشعر البيضاء أو الـ"توك" التي حلت محل الشرايط فيما بعد. جوارب المدرسة المزينة بالكرانيش كانت لا تفارق الحذاء المدرسي الجديد الأسود اللامع والاثنان معًا يستقران بجوار فراشي حيثُ لا أطيق شوقًا لارتدائهما.
قد تقوم الوالدة بعقد ضفيرتي مساءً قبل النوم ووضع إيشارب عليهما كي لا تفسدهما طريقة نومي رغم أنني كنتُ هادئة النوم‘ الأمر الذي كان يجعل الضفائر تستقرُ إلى حدٍ كبير بنفس رونقها وجمالها حتى الصباح. أتناول الشاي باللبن وأضع ساندويتشات البيض بالبسطرمة أو الجبن النستو الذي كنتُ أحبه كثيرًا في الشنطة الجديدة التي أحيانًا ما كان أبي يُزينها بخطه الجميل من الداخل بكتابة اسمي بالكامل عليها تمامًا كما يفعل مع أخي.
المصروف يتفاوت من عامٍ لآخر لكنني أظل على ما أنا عليه فلا حاجة للمصروف إلا في ادخاره لشراء كوب عصير القصب من الباشا.
بعد اللبن والتمام بالمصروف والساندوتشات كان عليَّ أن أقوم بالطقس السنوي فأصعد الدرج لتفتح لي وتطمئن على كافة التفاصيل بحب شديد وتطبع على وجنتيَّ قبلتيها المعهودتين فتنديهما بماء وضوئها لصلاة الصبح وتغني لي بصوتها الجميل:
على مدارسكو المولى حارسكو بنات وبنيـن
أنتو عمــادنا وشـمـس بلادنا ونور العـين
ثم أُسارعُ للحاق بأخي الذي يناديني، لنذهب إلى المدرسة في نفس الطريق وعلى نفس الرصيف.
لا أتذكر لأخي إطلاقًا أنه أمسك بيدي ليعبر بي الطريق، وكنتُ أتمنى منه أن يفعلها، لكن أقصى ما كان يفعل معي إذا ما انشغلتُ بخوفي من عبور الطريق أن يدفعني بيده بقوة بضربةٍ على ظهري لا تؤلم لكنها تؤكد عليَّ موقفه في أنه لن يمسك بيدي مهما طلبتُ منه. وكم شكوتُ لوالدتي أفعاله هذه!!
أعودُ كل مرة إلى المدرسة لأجد جديدًا ينتظر الجميع إما بطلاء حوائط المدرسة أو ببناء مبنى جديد أو برسومٍ أكثر بهجة كخلفيةٍ لمسرح المدرسة، وكالعادة طاقم المدرسين يختلف عن العام الماضي فيما عدا قمم المدرسين الذين تحرص على وجودهم المدرسة. أقفُ في الطابور وأردد الأغاني الجميلة على أنغام الأورج الذي كنتُ أحبُ أن أتعلمه وأغار ممن يلعبون عليه هذه النغمات الجميلة للأغاني التي أعشقها. أصعدُ مع زميلاتي وزملائي إلى فصلي ونحاولُ جميعًا أن نجلس في الصفوف الأمامية، لكن هيهات فقد سبقنا كالعادة نفس الزملاء والزميلات واحتلوا كل الأماكن. يدخلُ مدير المدرسة أستاذ صبري بدران أحمد البسيوني ليقف كل من في الفصل فيقول كلمته: عايز الطوال ورا والقصيرين كلهم قدام. ويرتبك كل من في الفصل. ولكوني دائمًا من قصيرات الفصل يأمرُ أن أجلس في الصفوف الأولى. وما إن ينصرف حتى تستأذن عليَّ إحداهن في تبديل المكان لتجلس بجوار صديقتها ولا أشاء إغضابها أو فصلها عن صديقتها؛ فأعود إلى مكاني بالصفوف الأخيرة.
وتبدأ طلبات الأساتذة في الكشاكيل ومواصفاتها وعددها وألوان الجلاد المختلفة.
سطرًا أكتب من صفحات أيام المدرسة أعدكم بإكمال صفحته فيما بعد.
رجعتينا لعشرين سنة ورا .. كانت ايام جميلة وبريئة ..
ردحذفولكن للاسف الذي يذهب لا يعود ..
استمتعت بالقراءة ،
دمت بخير وطاب مساؤك.