المتابعون

السبت، 27 أغسطس 2011

أن تتقمص الخيال فتعيشه أكثر من الواقع




كنتُ صغيرة وأستغرقُ في اللعب بالدمى في تمثيلياتٍ يؤلفها خيالي وتلعب بطولتها معي ابنة خالتي التي أكبرها بأربعة أشهر. كان أغلبُ لعبنا التمثيلي بدمى غالبًا ما كانت أبناءً لها هي دوني، حيثُ كنتُ أحبُ العملَ وأراني أختًا لها أو صديقة تتعاونُ معها في تكاليف المعيشة وترعى ابنتها اليتيمة أو ترعاها وترعى ابنتها بعد أن غدر بهما زوجها الخائن وطلقها ورماها برضيعتها. لم أكن أتخيل أنني سأحيا حياةً طبيعيةً تخلو من المشكلات الاجتماعية التي كانت تغذيها في عقلي الباطن مشاهدتي للمسلسلات التليفزيونية والأفلام العربية القديمة. ضمن الأفلام التي كنتُ ألعب بطولتها مع ابنة خالتي فيلم"عصافير الجنة" فكنتُ أرى عالمًا مختلفًا تمامًا حيثُ تهربُ طفلتان صغيرتان إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون فيعرضا مواهبهما على مخرج كبير يتبناهما فتمثلان وترقصان وتغنيان لتجنيا أموالًا هائلة تبتاعان بها دمى كثيرة جميلة وفساتين بيضاء ووردية تزهوان بهما بين الصحاب، وحين يراهما أبواهما في التليفزيون ويحاولان إعادتهما إلى المنزل ترفضان إلا أن يمتنعوا عن تعنيفهما وضربهما.

ذات ليلةٍ كانت تنام في سرير ابنة خالتها، التي بكت لأمها وأصرت أن تصحبها معها إلى المنزل حيث تلعبان معًا فتسلي عليها وحدتها، لتستيقظ على صراخ الخالة وهي تنزع عن الوسادة الصغيرة كيسها، وتصيح في ابنتها: مَن حرضك على كدة؟ والابنة لا ترد، فتسارع الخالة في استدعاء ابنة أختها وتسألها باتهامٍ صريح: أنتِ اللي قلتِ لها تكتب كدة ع المخدة؟؟ نظرت إلى الوسادة التي تحملها خالتها لتقول: لا واللهِ. فتسارعُ الخالة وتقول لها: ما تكدبيش، أنتِ اللي قلتِ لها، بنتي عمرها ما تكتب كدة من نفسها أبدًا.

تعودُ ابنة الخالة إلى الغرفة وتغلقها وتربت على كتف ابنة خالتها، وتقول لها: ليه كتبتِ ع المخدة؟ فتقول: دا جواب عشان لما نهرب ونروح التليفزيون.

تتخابط اللحظات فتمر السنوات، وتعود الفتاة إلى أحلامها وخيالها حيثُ ترى كل من في فصلها بالصف الثالث الإعدادي زوجات وأمهات، بينما هي... فـ لا.

يأتيها أولُ حلمٍ بالارتباط في الجامعة حين يتابعها أحدهم، فتتخيل كيف ستتصرف والدتها ووالدها بما يزعجها، وتقرر أن لا خيال.

الأوهامُ جزءٌ منها تأخذها حتى إلى لحظة التخرج حين تلمحهُ فيأتي كعادته يسلم عليها ويقول لها: مبروك!! تلمحها في عينيه ثانيةً لغة الحب المستحيل، فتهرب إلى أحضان أبيها وأمها. لكن شيئًا بالماضي سلبها أن تلعبَ نفس الدور الذي لعبته ابنة خالتها التي تزوجت بعد تخرجها لتتركها تعاني آلام الوحدة وتلعب نفس أدوار الماضي: سيدة كبيرة لم تتزوج ولم تنجب ولكنها تحملُ من الأمومةِ ما قد تفيض به على ابنة الخالة بأبنائها.

تطوي صفحات الماضي، لتستيقظ على أسوأ كابوسٍ تتمنى أن تفقدَ على إثره حياتها البشعة المليئة بالخيالات المتقمصة...

هناك تعليق واحد:

أشكر لك المتابعة والتفاعل بالتعليق