المتابعون

الجمعة، 19 أغسطس 2011

كحك ومناقيش

اليوم تذكرتُ كيف كانت جدتي تُحضر برطمانات المسلى البلدي لتفرغها في وعاء ألومنيوم وتضعها على الموقد لتسييلها ثم تأتي بطبق العجن الكبير بعد غسيله جيدًا وتنشيفه وتضع الكمية المطلوبة من الدقيق ثم السمسم فرائحة (الكحك) وتصب بعناية وحرص السمن في منتصف الطبق الكبير. وأبدأُ بالعجن بالتعاون معها. أفركُ العجينَ جيدًا وأشعرُ كم أنا خائبة كلما نظرتُ إلى يديها وهي تفركُ بمهارةٍ تفوق بكثير ما أصنع. وأنظرُ إلى يدي وأقارنها بيدها وأقول يومًا عن يوم: يدها أكبر من يدي، غدًا ستكبرُ يدي وأصنعُ مثلما تصنع هي.
اليوم أتمنى أن أقبل يديها الجميلتين اللتين أشتاقهما.
تتركه يختمرُ وعندما ترفع الملاءة البيضاء عن العجين وتجده قد تغير وكبر تسمي الله وتصلي وتسلم على النبي محمد، وأحيانًا كنتُ على عجلٍ أكشفُ العجينَ كي أستعمل المناقيش التي أنتظرها من السنة إلى السنة، فتسرع بيديها وتضربني على يدي خصوصًا عندما أقول بسرعة: أهو العجين خمر يا تيتة، فتُسرع بتغطيته وتقول: اللهُ أكبر، بسم الله، صلاة النبي، صلاة النبي.
تقطيعُ العجين كان العقاب إذا ما حاولتُ إغضابها فتحرمني من النقش على الكحك بمنقاشها النُحاسي الجميل. مازالت المناقيش تتوعدُ يدي إذا أخطأت وأغضبت صاحبتها رحمها الله.
أحيانًا كانت جدتي تُغني أغانيها القديمة التي لم يكن لأغلبها صلة بالكحك بل كانت له صلة بالزمن الجميل الذي عشقته من خلال صوت المذياع الذي كانت تحرص على إدارته يوميًّا صباحًا بعد الصلاة والتسبيح.
يأخذني صوتها وهي تغني كل القديم. أحب منها نجاة ووردة وليلى مراد وهدى سلطان وآخرون وأخريات.
تطرقُ الباب الجارة، فتفرح جدتي وتسألها عن المقادير المناسبة للـ(كحك) والبسكويت. أحيانًا كنا نسبقها في صناعة البسكويت، لتأخذ منا ماكينة صنع البسكويت في اليوم التالي.
كانت تيتة تستغل الصيام لعمل الكحك لأنها كانت تراني بعد الإفطار أضع قدرًا من الملبن في العجين وقدرًا بسيطًا أقتطعه لأضعه في فمي، فتنظرُ إليَّ وتقول: إحنا هنشتغل بقى ولا هناكل؟ حتة في الكحكة وحتة ف بقك؟ وكأنها كانت تقول لي بكلماتها إنها تلاحظُ ما أصنع حتى لو حاولتُ مغافلتها.
في آخر اليوم كنتُ أجلسُ بجوار الفرن لاستخراج الصواني ووضع الصواني الأخرى. كان كل شيء يتم بإدارتها وتدبيرها وبمساعدة والدتي.
لستُ أدري لماذا كان (كحك) تيتة في كل عامٍ يتفوق على (كحك) الوالدة رغم نفس طريقة الصنع والمقادير فلكلِّ شيءٍ كانت تصنعه رحمها الله مذاقه الخاص.

هناك 4 تعليقات:

  1. ميزة الخبرة في الصنع وخصوصا في المناقيش زي ما بنقول النفس بتفرق من الكبار و الصغار و من شخص لاخر
    بس عجبني عقاب حرمان النقش على الكحك
    بجد جميلة دمت بود

    ردحذف
  2. الله على زمان وريحة زمان الهالة علينا منبين السطور
    كانت المناقيش اشكال جميلة دلوقت للاسف حل محلها الفورمات الجاهزة
    واصلا مفيش كحك زي بتاع زمان
    لان ناس زمان راحوا وسابوا الكحك لاصحابه
    جميل ياروني ... كل سنة وانتي طيبة

    ردحذف
  3. كل سنة وأنتم طيبين.
    سابوا المناقيش كمان يا هلولتي.

    ردحذف
  4. ههههههههه

    ده كلام بردو تاكلى الملبن بتاع الكحك

    احنا هنشتغل ولا هناكل؟

    ربنا يرحمها

    ذكريات جميله
    :)

    ردحذف

أشكر لك المتابعة والتفاعل بالتعليق