كنتُ في الكلية عندما غافلني وسط الزحام أحدُهم و أعطاني ورقة عشرين جنيهًا مزيفة. هرعتُ إلى مكتب قائد الحرس بالكلية و الذي توسمتُ فيه خيرًا ما أنزل الله به عليه من سلطان. إذ تهكم و أخذت السخرية منه مأخذًا دفعه ليقول: عارفة كام ورقة من دي مزيفة في البلد؟ دا رئيس الجمهورية زمانه معاه منها. و لما طالبته باتخاذ أي إجراء أو موقف يثلج صدري و لم يجبني إلا بنفس نبرة التهكم و الاستهزاء، قلت له إنني سأذهب إلى عميد الكلية. فقال: إن شالله تروحي لرئيس الجمهورية.
وفي غرفة العميد أنكرت السكرتيرة وجوده كالعادة. ذهبتُ لوكيل العميد فإذا بالسكرتيرة ترد ببرود و هي تقرأ الجريدة: مش موجود و لو موجود مش فاضي لك. فقررتُ أن أذهب إلى رئيس الجامعة. و في طريقي انضم إليَّ زميلٌ بالجامعة، وصلنا لمكتب السكرتير فإذا به ينهرنا و يدفعنا بعيدًا عن المكتب بحجة إننا متطاولون. أتوجه إلى أمين الجامعة و هي سيدة آنذاك، لأقابل بحفاوةٍ لم أجد لها نظيرًا من قبل لدى أي مسؤول آخر بالجامعة. استمعت السيدة إلى كل ما قلت في تركيزٍ بالغٍ و أمرتني أن أضع الورقة ضمن شكوى كتابية أتوجه بها رسميًّا إليها لتقوم بما يلزم.
خرجتُ من غرفتها و قد اطمأن قلبي انَّ هناك أشخاصًا مازالوا مرضى بالضمير سيتفاعلون معي. تذكرتُ نائب أمين الجامعة وقتها أو مساعد الأمين و الذي كان قريبًا لزوجة خالي و كانت دومًا ما تحدثنا عن دماثته و أخلاقياته و تواضعه، و توسمتُ فيه خيرًا أكبر مما توسمته من قبل في قائد الحرس. طرقتُ البابَ، و دخلتُ. استمع إليَّ دون أن أوضح له قرابتي بهِ و قال لي في استنكار: إذا كان أمرُ العشرين جنيهًا يُزعجكِ فإليكِ أخرى بديلة و لا تُحرري شكوى، فقلتُ له باندهاشٍ: كيف هذا؟ فقال: أنتِ مازلتِ بعد صغيرة السن و لم تري من خبراتٍ و لم تمرُ عليكِ مشاكل في حياتك. فسألته: و ماذا عن القيم و الأخلاق و المصلحة العامة و الوطن؟ فأجاب: كلها موجودةٌ في كتب الدراسة لتنجحوا و تتفوقوا و تمرُ عليكم سنوات الدراسة.
كانت الصدمة أكبر مني إذ أنني لم أعتد هذا من أحد. إذا كان هذا الرجل و غيره ممن يشتهرون بحسن الخلق و التواضع و الأخلاق لا يضربون على أيادي الآثمين في المجتمع و يستهينون بهذا الأمر الجلل، فمَن لي و لغيري؟
قررتُ من يومها ألا أقتني الكتب و ألا أقرأ كي أُريح عقلي و لا يؤرقني ضميري كلما رأيتُ من يغتالون الضمير و الحق رغم ما نسمع به عنهم من أخلاق.
لكنني أعودُ اليوم و بعد فترة لكتاباتي و قراءاتي و لكن ليس بمثل ما كنتُ يومًا بحماسٍ يدفعني بضميري أن أقرأ و أقرأ لأننا ليس علينا أن نصدق كل مَن نقرأ لهم. ليس علينا أن نصدق مَن نقتني كتبهم. فما عاد لي أصدق من كتاب الله قيلًا كي أهجع إليه وقت ضيق صدري مما يفعلُ كبار الكتاب و الشعراء لتسقط عنهم مرآة الواقع المر المُحلَّى بزيف كتاباتهم.
رانيا مسعود
للأسف معاكى حق .. الأخلاق و المثاليات اللى بنقراها مش موجودة تماما و بتندثر تماما
ردحذفبس مش الحل أنك تسيبى القراءة , أو ميكونش ليى حماش ليها
بالعكس .. أنك تتمسكى بقرائتك و رأيك ده الحل !!
أعجبتنى التدوينة
و ان شاء الله متابعة لكتاباتك :)
أشكرك رضوى
ردحذفحبل الود موصول بيننا
كل عام و أنتِ بخير.