المتابعون

الجمعة، 10 ديسمبر 2010

يوم الجمعة







كان يومًا خاصًّا



كنت لا أحبه أحيانًا و أحيانًا أعشقه.يوم الجمعة كان اليوم الذي تجتمع فيه عليَّ كل أنواع النكد الأزلي حيث تصرخ بوجهي من وقت لآخر لننهي أعمال المنزل.لم أكن أدري لماذا كانت دائمًا تقرر البدء في الأعمال المنزلية و الانتهاء منها دون وضع اللمسات الأخيرة. كنت أحب أن أكنس و أمسح و أشاهد البلاطات و من بعد تغيير الأرضية أشاهد وأعد السراميكات الواحدة تليها الأخرى و كنت أحب مشاهدة الأرضية و هي تلمع بعد تنظيفها. كانت تقطع عليَّ المشاهدة و تصرخ في وجهي من وقتٍ لآخر. كنت أكره المنزل برمته عندما تشعرني دومًا بعجزي عن القيام بالأعمال المنزلية و إتقانها كما تقوم هي بها. لا أنكرُ أنني لا أجيدُ مسح الأرضية و تلميعها بنفس طريقة إجادتها، لكنها لا تريد أن تعترف أنني أفوقها بمراحل عندما تمسح الأرضية و تترك الأشياء مبعثرةً في كل مكان فأعيدُ ترتيبها بشكلٍ أفخرُ بهِ و أحبهُ كلما رأيته منظمًا و مرتبًا و جميلاً. كان الجميع ينبهر لذلك و لا يتذكر أحدٌ أنها من قامت بمسح الأرضية. كنت أحيانًا أطبخُ و أشعر بأنني ربة المنزل لسويعاتٍ بسيطة و أحلم بأنني أقطن فيللا كبيرة تلفني بمساحة الشقة كلها من أولها إلى آخرها. كنتُ أحبُّ المنزل حتى تعودَ إليه. كانت تلقي بأشيائها دون اكتراث. لم يكن يُعجبُها ما أصنع حتى لو كان جميلاً في أعين كل من شاهده. كانت دومًا تنتقد ما أصنع حتى لو كان جميلاً. تبدد الجمال في أعيني. لم أعد أصنع شيئًا و لن أساعدها بعد اليوم في المنزل. كل مرة كنت أتخذ القرار ذاته و كل مرة كنتُ أكره نفسي و أكره حالي. و أعيد النظر مرةً ثانيةً. قارنتها كثيرًا بما كانت تصنع معي جدتي حين أفترشُ الأرضَ بالمياه التي تتجمع في منطقة دون الأخرى وأفرح بقطرات الكيروسين-جاز البيت كما يسمونه-و أحاول أن أصنع مثلما أصنع مع ابنتها في المنزل رغم أن بيت الجدة لم يكن شديد تعقيد التفاصيل مثلما كان و مازال بيتُنا. كانت الجدة تتهلل في كل مرة بالفرحة و البشر. لا تتوقف عن المديح أمام الخالات و أمام الجميع. كانت تعجب بكل ما أصنع، و توجه إليَّ النصيحة من آن لآخر. لم تكن تصرخ في إلا عندما أتخلص من بعض الكراكيب. كانت المقارنة بين صنيعها و صنيع الوالدة التي كانت تشعرُ بالغيرةِ مما أصنع لدى جدتي. حتى عندما كنت أنظف البيت لدى الجدة كانت لا تتوقف عن قولها أمام الخالات أنها مَن ترسلني لأنظف البيت لدى الجدة. أحيانًا كانت تراقبني و أنا أصنع ما أصنعه لدى الجدة، فتحاول أن تفعل مثلما تفعل في شقتنا. كنتُ أتركها تفعل ما تفعل. لم يكن الجميع يصدق أن رانيا تستطيع القيام بالأعمال المنزلية، و هو نتيجة طبيعية لما كانت تقوله الوالدة و تشكو به أمام الجميع أنني لا أساعدها و لا أقوم بأي عملٍ بالمنزل. ادعاءاتها كانت تُزيدني كرهًا للمنزل بما فيه. لكني كنتُ أحبه و أعود إلى تنظيفه كلما كانت تغيبُ عنه. كنتُ أحبه. لكنني اليوم قررت ألا أحبه و ألا أمارس أيًّا من أعمالي المنزلية. ليس فقط لأنني أعاني من آلام الظهر و الفقرات التي تآكلت غضاريفها من كثرة القيام بالأعمال المنزلية، و لكن لأنني لا أريدُ أن أظلم نفسي و أستمر في ظلمها أكثر بكثير مما تتحمل. كثيرًا ما كنتُ أتوجهُ إلى الله بالدعاء أن يرزقني منزلاً لا يشاركني فيه أحدٌ. أو تشاركني فيه الجدة فقط. لكن الجدة رحلت. و المنزل باقٍ. و أنا ما عدتُ أتحمل أن أظلم نفسي كما كنتُ من قبل. سأنتظر الصيف و لعشرة أيامٍ يغيبون فيها عن المنزل أشعرُ أنني السيدة. أنني مَن لا تطيقُ أحدًا يقلب نظامه و يعبثُ بهِ. أنني من أفعل و من آمر و لا أنهي. أنني سيدة قراري و أجيدُ الطبخ و الكنس و التدبير أحسن مما هي تصنع.

هناك تعليقان (2):

  1. الظاهر إحساس يوم الجمعة متشابه عند ناس كتير يا رنونة !
    يوم البهدلة المنزلية والعمل المؤبد :)
    والأهم..
    ان شغل كل فلانة مابيعجبش مامتها أبدًا !!

    ..
    بوحك جميل :)

    ردحذف
  2. الله على تعليقك الذي يثير في نفسي أن أكتب عن كل شجون يوم الجمعة و لذلك سأكتب....يتبع

    ردحذف

أشكر لك المتابعة والتفاعل بالتعليق