المتابعون

الاثنين، 20 سبتمبر 2010

زيارة مفاجِئة

هذه المرة لم يكن سعيها بحثًا وراء الحب الضائع، لا و لا حتى وراء وميضٍ خافتٍ يوشك أن ينطفئ بمجرد أن تتخيل سويعات العمر الماضية. كان الحلم بالذهاب يضيف إليها الكثير من علامات الاستفهام...هل رغبتي الملحة في الذهاب التي واتتني بعد غياب هي لشعوري أنني سألقاه و هو يضيفُ نجاحًا إلى نجاحاته فيزدادُ حبي له لا كالمحبوبة التي تشتاق لأن يضمها الحبيب، بل كالأم التي تحتضن بعينيها طفلها الذي لا تريد به إلا الخير، أو كانت هذه الزيارة تدفعني بشدة إليها أقداري للتخلي عن التمسك بحبٍ واهٍ حتى و إن كان لهذا الابن؟
في الطريق ترقصُ قدماها و تنشدُ لها أغانٍ كانت تتغنى بها في تلك الفترة، تتراقصُ الفرحةُ في عينيها كلما تخيلت تصفيقًا حادًا يزلزل كيانها و يطربُ أذنيها بحبِ التعلقِ ببصيصِ أملٍ لتلك النظرات التي كان يسددها إليها بين الحين و الحين فترتسم الابتسامة ذاتها، التي كانت لا تفارقُ شفتيها، عليهما ثم تتزاحمُ عليها صورُ الطريق في الأتوبيس نفسه الذي كان يقلها إلى الجامعة منذ عشرة سنوات. تتنبه إلى معالم الطريق التي تغيرت و تراجعُ ما قد تغير فيها هي أيضًا: جسمٌ ممتلئ، وجهٌ أسمر به علاماتُ شيخوخةٍ مبكرة و علامات انكسارٍ ظهرت نتيجة ما عانته في السنوات الماضية بحثًا عن مكانةٍ مرموقةٍ و اسمٍ لامعٍ حتى لو كان على حسابِ جمالها الشكليِّ. ها قد وصلت. غادرت الأتوبيس في رحلةٍ مجهولةٍ نحو البوابة و عندها كانت تحاولُ نسيان ما قد حدث منذ عشرة سنواتٍ، حين كانت أقلَ ثقة تتساءلُ في حيرةٍ أين الطريق إلى الكلية أو الجامعة..تقتحم البوابة التي يسألها على بابها رجلُ الأمن إبراز البطاقة الجامعية فتبرزُ له البطاقة الشخصية بمنتهى الثقة و تدخلُ في شموخٍ و كبرياء.ترى وجوهًا غير ما كانت ترى...بالطبع قد تغيرت الكثير من الملامح و الملابس و العادات. تنطلقُ نحو أسوار الكليةَ، فتتذكر يومَ كانت على بابها ورأتهُ يصعد الدرجَ، فانطلقت مسرعةً كي لا تفوتها المحاضرة، فإذا بها تجده يتوكأ على زميلٍ و يدعي بحركاتٍ صبيانيةٍ أنه يربط حذاءه فقط ليتزامن وقتُ دخولهما إلى المدرج معًا. تحاولُ أن تنسى الماضي، فتتراءى لها يدُ صديقتها المعذبة و هي تشدُ على ساعدها حينَ رأت أحدهم يحاول دفع كرسيه بيديه، تمامًا مثل زميلها الذي أحبته في الكلية منذ عشرة أعوامٍ أو يزيد. ترى صديقتها و هي تملي النظرَ إلى الشاب الجالس على كرسيه فتتأمل رجليه بإعاقته...إنه مثله تمامًا. تتذكرُ وعدَها لزميلتها التي فقدت والديها و تعيشُ على حبه و التعلق بهِ رغم ما فرقهما. تتذكر وعدها الذي قطعته على نفسها. هذه المرة لم تكن الزيارة لاسترجاع ذكرياتي في الماضي...هكذا قالت لنفسها...ذهبت أول ما ذهبت إلى قسم اللغة الإسبانية و هناك اندفعت برغبتها المجنونة في البحث عن حبِ الصديقة التي تريدُ بأي شكلٍ أن تُخرجها من حجرتها الكئيبة إلى حبها الماضي...أرادت لها الحياة من جديد. لا ... لا يهمُ حبي له المنطفئ الموقود بحبِ الأمومة بداخلي، لكن أمًا ثانيةً تهفو بداخلي إلى البحث عن إرضاء الصديقة...قلبي يعتصره الألم. تدخلُ إلى القسم و تسأل عنه: الاسم...كان زميلاً لكم هنا و هو مميزٌ فقد كان شابًا معاقًا يجلسُ على كرسيه المتحرك. أظنهُ أراد يومًا أن يكمل دراساته العليا بالكلية. كان يُشاركُ معنا في أسرة.... كان يكبرني بدفعةٍ. هل تعرفون رقمه؟
تحاولُ أن تجد مبررًا لسؤالها عنه دون أن تخدشَ قلبه و لا قلبها المحطم المحبوس بين الجدران الأربعة...تقول إنها تريد أن ينضم إلى حركة ينظمها المعاقون. يعتذر بشدة لها كلُ الزملاء، فقد كانت نفسه أيام الكلية أعز عليه من أن يصارحها بإعاقته. تتذكر السبب الذي دعاهُ لفراقِ صديقتها: إنه عزة النفس التي أبت إلا أن يرضى لها زوجًا سليمًا...لكن الصديقة تلحُ عليها في الذاكرة بصورتها و هي تبكي لها قائلةً: لم أشعر بعجزهِ و لا بإعاقتهِ فقط أردتُ أن أكون له زوجة، هو حبي الأول و الأخير و لا عاشق لي سواه. تتذكر اللوعة لفراقه، لكن القسم يناديها. تتوجهُ نحوه لتلتقي بمجموعة الصحاب و قد تغيروا كثيرًا. تخفي نظرات الشوق بين عينيها، تدسهما في كل مكانٍ..كانت قد تعودت أن تطالعها عيناه على غفلةٍ منها في أي مكانٍ و في كل مكان. تتذكر وعدها للصديقة...تعدُ بزيارةٍ أخرى للكلية، و لكن هذه الزيارة حتمًا ستكون بفائدة. لقد قطعت على نفسها عهدًا أن ترد إلى صديقتها قلبها المنتزع في الزيارة التالية التي ستتركها لتكون مفاجئة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشكر لك المتابعة والتفاعل بالتعليق