المتابعون

الأربعاء، 3 أغسطس 2011

حلة محشي

مع رؤية رمضان كان الجميعُ يستعد، و لكن استعداد الجدة كان يسبقها بكثييييير، فمنذ الخامس عشر من شهر شعبان كان الجميع يلتقيها في مناسبة من المناسبات الجليلة و هي ليلة النصف. كانت الجدة تنشغل يوميًّا بالنتيجة المثبتة على جدار حائط المنزل، و أحيانًا لديها أكثر من نتيجة في كل يومٍ تمرُ بعد صلاة الصبح و شرب اللبن لتقطع أوراق كل نتيجة منهم و تقرأ باهتمامٍ شديد النصائح و الحِكم على كل ورقة صغيرة حتى و إن لم تسعفها عيناها لذلك.
كانت تقرأ الشهر الهجري و الميلادي و تهتم بالهجري و القبطي اهتمامًا شديدًا؛ فمن الشهر القبطي ستعرف الموسم الصيفي أو الشتوي، و عندها تطلقُ حكمةً أخرى لا تقل أهميةً عن باقي الحكم. فمثلًا تقول: اللي ياكل ملوخية ف أبيب يجيب لنفسه كل يوم طبيب.... بابة: ادخل و اقفل البوابة... طوبة: يخللي الصبية عرؤوبة... و هكذا و هكذا...
أما الشهر الهجري و هو أكثر ما كانت تهتم بهِ، كان مهمًا بالنسبةِ لها أهميةً شديدة فقد كانت أكثر الناس حرصًا على إقامة المواسم و المراسم الخاصة بإعداد البطة الشهية لكل ابن و ابنة لها. تجلسُ بعناية لترتب للموسم بشراء البط و القلقاس و بعض الخضراوات. أما الفاكهة فقد كان لها شأنها الخاص إذ كان يفاجئها بها أبناؤها في آخر يوم المناسبة لدى عودتهم من العمل.
في أول أيام رمضان تأتيها الابنة بكرنبة كبيرة للغاية لتقوم هي بسلقها و تقطيعها بسكينتها الألومنيوم التي تفضلها عن باقي أدواتها القديمة. كنتُ كثيرًا ما أشارك معها في لف أوراق المحشي و كنا نسهرُ الليل بطوله نمضيه معًا بجميل حكاياتها و ذكرياتها عن رمضان و باقي أشهر السنة منذ كانت طفلة صغيرة تعيش مع أمها في بيت جدها الذي توفاهُ الله على فراش المرض و هو يصلي و يرفع إصبعه للشهادة في يوم الجمعة، حتى ذكريات العام الذي يسبق جلوسنا لإعداد حلة المحشي.
أجمل ما كانت تتميز به هي طريقتها في لف المحشي و رصه في الحلة الكبيرة. و أجمل ما كانت تمتاز به أكلاتها أنها بطعم الحب الجميل و القلب الكبير الممزوج بخليط من الرعاية و الحماية لنا جميعًا.
أثناء الإفطار تجلس على المائدة و أنا بجوارها و جميع الأبناء و الأحفاد يجلسون على الأرض بعد أن افترشوها بالجرائد القديمة. لا تأكل قبل أن تطمئن أن كل شيء يسير على ما يرام. تحيطني بمزيدٍ من العناية و الرعاية تلح عليَّ في الأكل و تضع إليَّ المزيد و المزيد. تمد إليَّ يدها بالمحشي و تنظر إليَّ فتقول: كتير الدبكة قليل البركة.....

هناك تعليق واحد:

  1. كم هي رائعه

    نفحاتها كنفحات الورود .. فهي كل ما تصنعه

    أنها تكسب الحياة عطراً جميلاً يسعدك

    ردحذف

أشكر لك المتابعة والتفاعل بالتعليق