المتابعون

السبت، 6 مارس 2010

ابني الكبير

كنا معاً في المدرسة..كان يكبرني بعامين دراسيين..كنتُ أشتاق إليه فلما جاءت المدرسة لتخطفه بعيداً عن عيوني. صرخت و بكيت لأمي: أريد أن أذهب إلى المدرسة معه. أخذتني و حملتني بين يديها و كان كلي شوق لرؤية المدرسة...وصلنا فإذا هي حقاً جميلة..لم يصفها هو لي، لكنني كنت أحب أن أراها بعيني...أبكي و أصرخ كي تتركني أمي أذهب معه. تجيبني: ليس في هذا العام، مازلت صغيرة. تلهيني أمي بالأرجوحة الكبيرة المستديرة.تهزني فأختال فرحاً بها.حديثي لنفسي:إن كانت هذه هي المدرسة فليتني كنت اليوم من تلاميذها. و يأتي العام الدراسي الجديد..اشترت لي أمي مريلة رمادية..هكذا كنا نرتدي. اشترت لي أيضاً شنطة صغيرة جميلة و عليها بعض حروف الهجاء. كانت الشنطة حمراء. حذائي كان أسود جميلاً. أوصت أمي الدادة أن تأخذنا للبيت بعد المدرسة . كانت الدادة فاطمة تحبني جداً..كنت أعود كل يوم إلى المنزل و هي تحملني و تقبلني في خديَّ حتى أعود للمنزل..كانت تحمر لي خديَّ . في الفسحة لم أكن أحب اللعب بين الأولاد، كانوا يفاجئوننا بحمامات من الرمال التي تدخل بين شعري . كم كانوا سخفاء! هكذا كان الصبية يلعبون. لا أحب لعبهم...أريد لعباً هادئاً..كنت أحب أن أتودد لمن يكبروني بالمدرسة.أقف معهم في الفسحة و أروي لهم حواديت من نسج خيالي:حكيت لهم كيف أنني أراجوزة و أن والديَّ كانوا كذلك، و ذات يوم احترق بيتنا. ذهبت معهم بعيداً حيث طرت.أنا أطير ، نعم أطير..أبي الأراجوز يطير كذلك، و معه أمي و إخوتي العشرة..كانوا يضحكون. و أيضاً يستغربون. ما كنت أحكيه كان من نسج خيالي، و إصراري على الوقوف معهم و على الحكي كان يزيدهم تسليةً..كانوا يحبونني . في الفصل، كنت أرى من وقتٍ لآخر ولي أمر التلميذ علي محمد إمام، سامر صالح عبد النعيم، أحمد عبد العزيز محمد، ولاء محمود سامي، ياسمين علاء الدين....و غيرهم . من وقتٍ لآخر يدخل أبٌ و تسأل أمٌ عن ولدها..أما أنا فلا . أمي في عملها و كذلك أبي.كنت أتمنى أن يزورني أحد منهم.كنت أختلق الأعذار و الحجج ، و رغم ما كانت توصي به أمي: من غاب خاب،كنت أتمنى أن أغيب،رغم حبي للمدرسة...للشرائط التي تفكها زميلاتي الشريرات غيرةً منها .. للكراسات ذات الجلاد المزركش بالعصافير..لنجمة حمراء تضعها ميس على كراستي..لكل هذا. لكني أريدك أبي ..أريدك أمي..
الصف الثاني الابتدائي كنت في الدور الأول أو الثاني بينما أخي بالدور الثالث . تسللت بين الحصص، صعدت للدور الثالث . طرقتُ الباب بيدي الصغيرة..فتح لي رجل وسيم نحيف طويل. كان ينظر إلى أعلى قليلاً، فقد كان يتوقع مجيء شخص كبيرٍ أو أحد الطلبة يستعير طباشيرة..لكنه فوجئ بقصر قامتي.ابتسم و قال على الفور: نعم. قلت له بمنتهى الثقة: حسن عامل إيه مع حضرتك؟
اندهش و قال: حسن مين؟
قلت له: حسن إبراهيم . و أشرت إليه من بين قدميه الطويلتين.
ضحك بصوتٍ عالٍ و قال: أنتِ مين؟
فقلت له بثقة تزيد عن الأولى: أنا أخته.
فاندهش و رد و هو يضحك: أنتِ في سنة كام؟
فقلت له:تانية أول
فقال لي: أنتِ في سنة تانية و جاية تسألي عن أخوكِ اللي في سنة رابعة؟
يضحك بشدة و يضحك من خلفه تلاميذ الفصل
في نهاية اليوم الدراسي، ينهي أخي حصصه بعدي بحصة، ففي الوقت الذي أنزل فيه لأنتظره في الفناء، أذهب لأنتظره في المقعد الأخير في فصله تفرح بي كثيراً زميلاته في الفصل. يلعبن بشعري. أخي لا يحب ذلك . لا أفهم لماذا لا يريدني أن أبقى معه.
يدخل مستر مهدي مدرس اللغة الإنجليزية ذاته.يلقي التحية بالإنجليزية..يسألهم في الحصة عن شيء بالإنجليزية...لا يجيب أحد..يندهش و لا عجب حين أرفع إصبعي الصغير أستأذنه في الإجابة..أجيب على سؤاله. يفرح بي كثيراً. تعلو الضحكات الجانبية في الفصل.
يرد عليهم مستر مهدي: أرأيتم؟ هي أصغر من فيكم و تجيب.
يمضي عامٌ. أندهش و أفرح حين يطرق الباب و يدخل في حصة الإنجليزية.
أقول لزملائي و زميلاتي إنه مستر مهدي.لا يعرفني، فأحاول أن أظهر نفسي من وسط زملائي و زميلاتي طوال القامة الذين يتقدموني . يراني فيعود بالذاكرة، يبتسم و يقول لي: أخوكِ حسن؟
أقول: نعم.
يبتسم ابتسامة عريضة.
أحب الإنجليزية... و أعشق الفرنسية... أحب العربية... أعشق اللغات. من فرط عشقي، كنت ممن يحصلون على الدرجة النهائية في الإنجليزية.
كانت مكافأتنا أنا و زميلاتي و زملائي الحاصلين على الدرجة النهائية في الإنجليزية أن نقف على الفصل حتى يأتي أستاذ مهدي...بالدوركل واحد على صف . البنات على صف البنات و الصبيان على صفوف الصبيان .
كانت أياماً جميلة.
شكراً أستاذ مهدي الذي كان هو الآخر قد تخرج في قسم اللغة الإنجليزية بكلية الألسن.
أراه اليوم في الشارع فأتذكره و يذكرني و يضحك ...أحاول أن أخفي دموعي على سنواتي الماضية.....

هناك 4 تعليقات:

  1. ما أجملها أيام هى أيام الطفولة .. ذكرتينى بالذى مضى يا أبنتى الغالية ..حفظك الله ..وأدام عليك نعمة الايمان .. .. تحياتى

    ردحذف
  2. أشكرك بشدة على تعليقك الجميل... نجتهد لنحكي ما عشناه..و الذكرى تفرق ما جمعناه

    ردحذف
  3. شطووووووووووووووووووووووره اختي الكبيرة الحلوة
    طالعالي طبعا متفوكةمن يومها
    مع انك مش جبتي سيرتي

    ((قوليلهم لما ميس هدى اديتك نجمة وحسن نجمتين))
    :D

    ردحذف
  4. يا خبر يا كوكي عايزاني أفضحك كدة على الملأ؟
    طيب أنتِ الجانية على نفسك يا متفوكة
    يخرب بيت العربي بتاعك يا شيخة تاعباني في كل اللغات

    ردحذف

أشكر لك المتابعة والتفاعل بالتعليق