المتابعون

الأحد، 8 فبراير 2015

بين أين عمري.. أنا حرة.. هذا هو الحب أرفض إلا الحب "في شقة مصر الجديدة"

.السينما حياة تأخذ كثيرًا منا في عالم خاص. ربما تؤثر فيه أو يتأثر بها فإما أن يعيش أسيرًا لما فيها أو تعيش هي بداخله. حاولتُ كثيرًا الانفلات من أمرها. مازلتُ أحاول الخروج من نماذج فرضها عليَّ مجتمع عاشته بطلات أفلام تمثلني بشدة: ماجدة، لبنى.. ومازلتُ أبحث لنفسي عن الإطار غير التقليدي الذي تعيشه أنا.. تعيشه أنا بكل ما فيها من تفاصيل تحاول الخروج عن المألوف من أنماط قوالب مجتمعية ذات قيود صارمة تتحكم فيها العادات والتقاليد والعرف بعيدًا عن الدين والأخلاق.
عائشةٌ أنا بكل ما أريد من طفولة المشاهدة على أكتاف النبي لمشهد رياضي يدور بين الصحابة.. عائشةٌ أنا بكل ما يرى فيها الرسول من لعب بدمى تصنعها بيديها الصغيرتين وتصور بهما جناحي سليمان فتتسلل بطفولتها المبدعة إلى جناحي ملاك صغير يصنع عالمه المدهش ليعيش فيه ببساطته وتلقائيته غير المعهودة.. عائشةٌ أنا حين توقف الرسول ليبحث لها عن عقدها المفقود، لم يخجل لأنه ينفذ لامرأة رغبتها في إيجاده، ولم يتذمر لفقدها إياه، ولم يسخر من كونها امرأة وشيء كهذا العقد الصغير قد يكسر قلبها إذا فقدته. عائشةٌ أنا ولا أرضى بغير محمدٍ حقيقي يحترم في هذه الرغبات.
كيف تحولت تلك العائشة في أفلامنا إلى نماذج تُحييها ذكرى التملك والرغبة والسيطرة والبشاعة والفظاظة والمعاني السيئة التي حملتها إليّ ذكرى كل فيلم تمثلت فيه بطلاته بهذا النسيج اللا أخلاقي الديني الذي يحركه المجتمع ذو الرغبات القاتلة؟!
ماجدة الطفلة التي تريد أن تحيا ما يسيطر على فتيات جيلها من حياة الأنوثة. تحلم بفستان طويل تدور به على كعبي حذائها العاليين. تحلم بأحمر يلطخ شفتيها الصغيرتين. تحلم ربما بحمالتي صدر ترى كل فتاة في فصلها ترتديهما بحرية في الوقت الذي تمنعها والدتها من أن تمتلك مثلهم. ماجدة الطفلة رفضت وتمردت على سيطرة الأم في أن تخلق لها كل شيء فلل تتركها تنتقي تفاصيل ملابسها وأحذيتها، فتلجأ إلى من يبتاع عمرها بهم. تدخل بيتًا لتظن أنها ستكون سيدته، تلعب بأصابعها الصغيرة على بيانو كانت تحلم أن تمتلكه لنفسها.
تتبدى لها الحقيقة، فالمال الذي اشترى لها أشياء سعت للحصول عليها فباعت بها عمرها، هو نفسه الذي يحجبها برغبته في التملك والسيطرة بشكل قتل فيها كل أحلامها وأسرها في بللورته الزجاجية التي يدخل فيها هواءً تتنفسه كيف يشاء.
تظن أنها قد ركبت فرسًا أو مهرةً ستأخذها إلى أحلامها التي نسجتها في الخيال ذات مرة من مال شيب ذاك الرجل. تستيقظ على مفاجأة من يطمع فيها وهي تطير بخيلها وخيالها، ودون أي علم يتغير هذا الرجل الذي سكب في عاطفتها ومشاعرها الأولى الأبوة المفقودة. دون أن تدري ما ذنبها يدور سهم حظها ليستقر في قلبها الصغير فيكون بمثابة الطعنة الأخيرة. تعيش بين جدران شيخوخته. تفقد عمرها وتذبل زهرة شبابها. يحطمها يومًا بعد يوم. يتلذذ بتحطيمها وتعذيبها. تطعنها ألسنة أخته التي لم تجرب مشاعر الأنثى صغيرة أو كبيرة. تعود بقطار أحلامها، وتحاول العودة به إلى قطار شبابها، تركب دراجتها، تصطحب أيام صباها الذي ضاع مدفونًا. تحاول أن ترى عمرها الفائت في أشياء مازالت الأم تحاول السيطرة عليها وإبعادها عنها.
تقع فريسة تارة لسخرية الشباب الذين يصغرونها، وتقع فريسة تارة أخرى لهذا الرجل الذي يتابعها من بعيد وينظر إليها نظر المشفق على مسكينة تسقط من أنظاره لمحاولتها أن تكون أنثى أو امرأة. هو ليس بنبيل سيأخذها على الحصان الذي تحلم بأن تشاركه إياه وهي تحتضنه بأشلاء امرأة، ولكنه هو الرجل الذي يحاول إبراز قوته في مقابل ضعفها وهي تحاول أن تلملم شتات نفسها وتشعر بما حرمت منه في سنوات شبابها.
المجتمع بعاداته وتقاليده نفسه يقتل في لبنى طموحها، يراها الكاتب في حلمها تريد تحقيق المحال، هي تريد والنساء لا يردن لها. هي تتعلم، والنساء يجهلن، هي تقرأ وتكتب وترقص وتلون بخيالها مستقبلها، والنساء يجهلن القراءة والكتابة والرقص بل يجهلن المعنى الحقيقي للمستقبل.
الكمان والبيانو يعزفان الشباب والمرح المفقودين في صخب ثرثرة النساء في الحارات يتبديان في مجتمع آخر في عنوان جديد لشقة جديدة تمارس فيها حريتها بعيدًا عن جهل يطوق مجتمع غبار العادات والتقاليد والثرثرة والنميمة. تمارس عملها، تنخرط فيه، يكاد العمر يمر بها وهي تدفن عاطفتها بين أدراج الوظيفة، فتعيد الأيامُ إليها حبها القديم، فيمتزج برغبة في تحطيم قيود المستعمر الذي غيّرَ لها مجتمعها ليصبح بهذا الجهل يتحكم في ذوي العقول والمهارات مثلها ومثل مَن أحبت يومًا ومارس عليها نفس السطوة لكونه رجلًا تفتح الحريات له يداها في مجتمع يُطبق عليها هي الأخشبين.
ولكن الأمر يبدو مختلفًا في تمرد تلك الفتاة التي تبحث في شقة مصر الجديدة عن حب المعلمة الذي ظل يطاردها من طفولتها، عن رغبة المعلمة في قضاء أيام تشبه أيام الحب الحقيقية التي اختارتها ضاربةً عرض الحائط بكل أعراف وتقاليد المجتمع متدني التفكير في أهمية العاطفة التي تغذي روح الإنسان لا تقتله.
معلمتها في نهاية تخبطها في أحداث تلتقي فيها بشخصيات كثيرة وتعيش في أجواء مختلفة ترسل إليها رسالة: الرسالة أن الحب موجود، وكذا القلب الذي يمارسه مازال ينبض بالحياة. لا يهم ما قاله الساقطون، ولا تهم نظرات المثرثرين، ولا عليكِ يا بنيتي من سيطرة الأم التي تلعنك ألف ألف لعنة وتكره يومًا ابتليت فيه بقلبك المحب. لا عليكِ من هذه الأعاصير التي تواجهين في حياتك. لا عليكِ فالحب موجود وبه يعيش قلبي كما سيعيش قلبك كزهرة ترويها عاطفة فارسك الذي اخترتيه في خيالك.
نعم أنتظره.. حسين صدقي الفتى الدمث الخلوق الذي يحطم كل التقاليد ويسعى ليقترب شيئًا فشيئًا. هو الرجل الذي لا يخنق بأنفاسه حريتي، هو الفارس الذي لا تأخذه تقاليد المجتمع ليضغط على قلبي فيطعنه بسهام حظه التعس في ممارسة حرية شكري سرحان في "أنا حرة" ولا يطعنه بنفس سهام التملك والسيطرة النابعين من قتل عائشة بطفولتها التي رعاها محمد وضاعت من ماجدة بين الشيخوخة والشباب.
سأمارسُ حبًّا يجعلني كالأميرة ليلى في أحلى أدوارها. دور لم تمارسه من قبل مع هذا البطل الجميل.. حسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أشكر لك المتابعة والتفاعل بالتعليق