المتابعون

الأحد، 28 أغسطس 2011

العيد بالونة وفستان بكرانيش منفوش خالص ووردة بلدي بريحة تجنن ولون بمبي تخطف عينك وتشدك بريحتها

العيد زمان كان عندي بيسبقه يوم تاخدنا ماما وننزل نلف على كل محلات اللعب. أنا لعبة بنات، وأخويا لعبة صبيان. لعبة العيد حاجة من الطقوس اللي ماما كانت تحرص عليها مثلها مثل الفستان المنفوش بكرانيش اللي بتفصله من مجلات البوردا والمجلات الموضة بتاعة الأطفال.
رمضان بكحكه وبسكويته كوم وتيتة وماما ومقصاتهم وتفصيلهم لفساتيني كوم تاني. لو العيد تلات أيام يبقى كل يوم فستان والوقفة بيجامة أو جلابية أو لبس للبيت خفيف إما برضو بيفصلوه وإما بيبقى جاهز.
أما البالونة فدا عشقي وحبي الخاص. يمكن عيد الميلاد اللي بيجيب بلالين بتبقى بلالينه لها مذاق مختلف عن بلالين العيد. ياااااااه كنت بنتظر بشوق تيجي عربيات خالاتي وتزمر من تحت البيت وأحس بجد إن العيد وصل لما ييجوا ولاد خالاتي ونلعب سوا وأحس بأجمل دفا في الدنيا. وكل بنوتة صغننة تتباهى بفستانها والأمهات تتكلم عن الفساتين جابوها منين أو عملوها إزاي وخلصوا في وقت ييجي كدة كام يوم أو كام ساعة من التفصيل. طب واتكلف كام أو اشترتيه من محل إيه؟؟؟
الفرحة كمان كانت في العيدية اللي بتبقى دايمًا فلوس جديدة لانج: عشرة جنيه دي أقل حاجة ولما كبرنا شوية بقوا عشرين. بعد العيدية اللي بنديها كلها لماما تشيلها ناخد جزء وننزل الغورية ونتمشى نتفرج على المحلات ونشتري لعب وآيس كريم وبالونات وعرايس ونجيب لبعض الهدايا. وساعات نجيب توك شعر وغوايش بلاستيك جميلة بألوان حلوة.
لما كنا بنلعب كنا بنلف نلف نلف بالفساتين وطبعًا الفستان تحته جيبونات كتيييييييييييير خالص عشان يبقى منفوش منفوش منفوش قوي. فساتيني كانت أكتر فساتين منفوشة وكل ما يكش الفستان أتمنى أصغر عشان ألبسه تاني ولا يصغرش عليَّ.
-لو ما كلتش/ كلتيش مفيش خروج
-حاضر يا ماما
-ولد
-نعم
-بنت
-نعم
-ملكوش خروج قبل ما تكملوا الاطباق شوفوا فلان ولا فلانة خلصوا الطبق قوام وعشان كدة نازلين وأنتو بقى ملكوش نزول النهاردة معاهم
طب خلاص هناكل أهو قوام
هو دا الحوار المعتاد بينا وبينهم كلهم
-يا غتت آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآ يا بابا طرقع لي بالونتي
-تيجوا ننزل نفرقع بمب؟
- لأ أنا ما بحبش البمب
- خلاص خليكو أنتو هنا واحنا هننزل نفرقع البمب
ولما كبرنا شوية
-البنات يلعبوا مع البنات والصبيان مع الصبيان
كبرنا أكتر
-ياللا يا بنات ننزل نولع الكاسيت و نديها رقص(كلام البنات)
-ما تيجوا ننزل نلعب ماتش كورة في .... ولا أقولكم تعالوا نخرج شوية نتمشى أو نروح أي حتة(كلام الصبيان)

آخر اليوم
يا خسارة العيد خلص قوام
تاني يوم
خروج عند عمتو دي وعمتو دي وعمو دا وعمو دا ونرجع بعد نص الليل بعد ما نكون نمنا في العربية وبابا يشيل كالعادة بعد ما يركن في الجراج.
وكل سنة وأنتم طيبين

السبت، 27 أغسطس 2011

أن تتقمص الخيال فتعيشه أكثر من الواقع




كنتُ صغيرة وأستغرقُ في اللعب بالدمى في تمثيلياتٍ يؤلفها خيالي وتلعب بطولتها معي ابنة خالتي التي أكبرها بأربعة أشهر. كان أغلبُ لعبنا التمثيلي بدمى غالبًا ما كانت أبناءً لها هي دوني، حيثُ كنتُ أحبُ العملَ وأراني أختًا لها أو صديقة تتعاونُ معها في تكاليف المعيشة وترعى ابنتها اليتيمة أو ترعاها وترعى ابنتها بعد أن غدر بهما زوجها الخائن وطلقها ورماها برضيعتها. لم أكن أتخيل أنني سأحيا حياةً طبيعيةً تخلو من المشكلات الاجتماعية التي كانت تغذيها في عقلي الباطن مشاهدتي للمسلسلات التليفزيونية والأفلام العربية القديمة. ضمن الأفلام التي كنتُ ألعب بطولتها مع ابنة خالتي فيلم"عصافير الجنة" فكنتُ أرى عالمًا مختلفًا تمامًا حيثُ تهربُ طفلتان صغيرتان إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون فيعرضا مواهبهما على مخرج كبير يتبناهما فتمثلان وترقصان وتغنيان لتجنيا أموالًا هائلة تبتاعان بها دمى كثيرة جميلة وفساتين بيضاء ووردية تزهوان بهما بين الصحاب، وحين يراهما أبواهما في التليفزيون ويحاولان إعادتهما إلى المنزل ترفضان إلا أن يمتنعوا عن تعنيفهما وضربهما.

ذات ليلةٍ كانت تنام في سرير ابنة خالتها، التي بكت لأمها وأصرت أن تصحبها معها إلى المنزل حيث تلعبان معًا فتسلي عليها وحدتها، لتستيقظ على صراخ الخالة وهي تنزع عن الوسادة الصغيرة كيسها، وتصيح في ابنتها: مَن حرضك على كدة؟ والابنة لا ترد، فتسارع الخالة في استدعاء ابنة أختها وتسألها باتهامٍ صريح: أنتِ اللي قلتِ لها تكتب كدة ع المخدة؟؟ نظرت إلى الوسادة التي تحملها خالتها لتقول: لا واللهِ. فتسارعُ الخالة وتقول لها: ما تكدبيش، أنتِ اللي قلتِ لها، بنتي عمرها ما تكتب كدة من نفسها أبدًا.

تعودُ ابنة الخالة إلى الغرفة وتغلقها وتربت على كتف ابنة خالتها، وتقول لها: ليه كتبتِ ع المخدة؟ فتقول: دا جواب عشان لما نهرب ونروح التليفزيون.

تتخابط اللحظات فتمر السنوات، وتعود الفتاة إلى أحلامها وخيالها حيثُ ترى كل من في فصلها بالصف الثالث الإعدادي زوجات وأمهات، بينما هي... فـ لا.

يأتيها أولُ حلمٍ بالارتباط في الجامعة حين يتابعها أحدهم، فتتخيل كيف ستتصرف والدتها ووالدها بما يزعجها، وتقرر أن لا خيال.

الأوهامُ جزءٌ منها تأخذها حتى إلى لحظة التخرج حين تلمحهُ فيأتي كعادته يسلم عليها ويقول لها: مبروك!! تلمحها في عينيه ثانيةً لغة الحب المستحيل، فتهرب إلى أحضان أبيها وأمها. لكن شيئًا بالماضي سلبها أن تلعبَ نفس الدور الذي لعبته ابنة خالتها التي تزوجت بعد تخرجها لتتركها تعاني آلام الوحدة وتلعب نفس أدوار الماضي: سيدة كبيرة لم تتزوج ولم تنجب ولكنها تحملُ من الأمومةِ ما قد تفيض به على ابنة الخالة بأبنائها.

تطوي صفحات الماضي، لتستيقظ على أسوأ كابوسٍ تتمنى أن تفقدَ على إثره حياتها البشعة المليئة بالخيالات المتقمصة...

حالة وفاء

كنتُ توًّا قد شرعتُ في الكتابةِ عن أجمل فترات طفولتي، فقاطعني رنينُ الهاتف. وددتُ لو أقول لها أنني أكتبُ عنها وعن أخواتها وعن الأيام الجميلة التي أمضيتها في بيت عمتي عائشة. عمتي عائشة!! ماذا؟!! لقد أخبرتني بعد أن حاولتُ أن أتجاهل نبرة الحزن في صوتها لأسألها عنها، أنها ... ماتت.

لا أدري الآن هل أتحدثُ عنها كما كنتُ سأفعل قبل المكالمة أم أُعزي نفسي لوفاةِ شخصٍ آخر واختفائه من حياتي التي ربَّتَ فيها بوجوده على كتفي ليُعيد إليَّ الأمل أن الطيبة والبركة والزمن الجميل مازالوا يعيشون بيننا. تمالكتُ نفسي بعد أن حل بي الخبرُ كالكارثة، وحاولتُ أن أنشغلَ في أمرٍ منزلي لألهي نفسي فيه. وأخذتُ أتذكر أيام كنتُ طفلة في السنوات الأولى لعمري وكانت خالاتي لم يتزوجن بعد، وكن يفرحن حينما يأخذنني معهن إلى العمل، فقد كنتُ الحفيدة الأولى ومتعة التسلية بين أفراد بيت العائلة الكبيرة بمنزلنا. وعندما كبرت قليلًا وتزوجت خالتي أخذتني معها لأمضي وقتًا قبل أن يأتيا توأمها إلى الحياة لألعب بهما كالدمى الصغيرة التي كانت عمتي تهاديني بها عندما تعود من الإمارات محملة بالهدايا والفساتين الجميلة والدمى.

عمتي فادية هي الأخرى كانت تأخذني لديها لأمضي معها أيامًا وكنا نذهب عند أقارب زوجها. وفي زيارةٍ لعمتي عائشة أصرت أن أقضي مع ابنتيها أيامًا بالبيت، وكانت المتعة...

كانت عمتي عائشة ابنة عمة أبي التي كانت تسكنُ بجوارنا في منزلٍ بالدرب الأحمر بجوار السوق، وكنتُ أذهب عندها كلما أرسلتني جدتي لأشتري شيئًا بسيطًا من السوق، وأرسل إليها تحيات جدتي فلا تتوقف عن تقبيلي وتحدث كل الجيران لديها بالشقة كم أُشبه جدتي أم أبي "فوزية". أنفلتُ منها ومن جاراتها اللاتي كانوا يكادون يلتهموني من التقبيل لأعود للمنزل وأحمل للجدة تحيات وسلامات عمة أبي "تيتة كريمة".

عمتي عائشة تسكنُ بحي المعادي حيثُ يسكن بقية إخوتها من الذكور. وفي آخر أيام "تيتة كريمة" كانت عمتي عائشة قد أصرت على اصطحابها إلى منزلها الكبير هناك لتترك الدرب الأحمر وتقضي باقي سنوات العمر تحت رعاية ابنتها. كنتُ ألعب مع شيماء وأسماء فإحداهما تكبرني بعام والأخرى تصغرني بآخر. كان جُلُّ متعتنا عندما ترسلنا عمتي عائشة إلى السوق لنشتري الدقيق لتصنع لنا مع أمها "الرقاق" الذي نأخذه ساخنًا ونتقاسمه فيما بيننا. كان السوق بعيدًا عنهم بمسافةٍ طويلة، ونظرًا لأن شيماء وأسماء هما البنتان الصغيرتان اللتان يكبرهما أخوان اثنان من الذكور، فقد توارثا دراجة صغيرة كانت أول دراجة أتعلمُ عليها كيفية ركوب الدراجة دون مساند. كانت شيماء تركب الدراجة وكنا نحن نعدو وراءها، ومرة تركبُ أسماء وأعدو أنا وشيماء معًا، ثم قررا أن يعلماني كيف أركبها ليتبعاني. كم غمرتني الفرحة عندما كنتُ أشعرُ أنني أطيرُ بها وهما يتبعاني في الخلف!!

أما شيماءُ فتشتركُ معي في هواية الرسم، كانت تجلسُ معي بالشرفة لتعلمني كيف أرسمُ وجهًا لفتاة وكيف أصنع لها ضفائر أو فيونكات، وكيف أصمم لها زيًّا مناسبًا. وتمرُ الأيامُ فتلتحق شيماء بكلية التربية الفنية بالزمالك.

يااااااه كم مرت تلك السنوات سريعًا!! ويالها من حسرةٍ عندما أفقد أحبائي وأحباء أحبائي إلى قلبي!!! رحم الله الأيام الجميلة، ورحم الله مَن فقدتُ.

عاشت الفضيلة بفضل أبلة فضيلة



أشكرُ في بدء حديثي أصدقائي الذين دعتهم ذكرياتُ الطفولة الجميلة أن يقابلوها وسيقابلوني بها إن شاء الله.

****




تصعدُ في خفة الدرج لتلقي عليها تحية الصباح اليومية، فتأتيها بكوبين من اللبن الحليب الصافي وتضع السكر لتذيبه، ثم تشير إليها لتدير المذياع لتسمع وصلة الصباح المعتادة. إنها العاشرة تمامًا كما تعلمتها في سنوات عمرها الأولى بالمدرسة، ترتسم على وجهها علاماتُ الفرحة لأنها ستسمعها اليوم أيضًا. "حبايبي الحلوين..." وتبدأ في سرد الحدوتة اليومية، ثم تتبعها بأغنية. اليوم سنسمع حدوتها عن الأمانة، وبعدها تغني الطفلة الجميلة التي تعجبها كثيرًا وتتقمصُ دورها حين تردد معها:"نانا القطة نانا جت لعبت معانا لفت لفت قالت إيه بحب الأمانة بحب الأمانة...." ، "...حلوين اللي هييجي بكرة هيسمع الغنوة ويتسلى بالحدوتة، واقولكو إييييه توتة توتة فرغت الحدوتة".

وتنتهي الطفلة الصغيرة من تناول كوب اللبن كله بعد أن غمست فيه أصابع "البقسماط" والتهمته بعد أن وضعتهُ لها "تيتة" في الكوب. ثم تستمع مع تيتة إلى "عيلة مرزوق"، و"صفية المهندس"، و"إلى ربات البيوت". لم تكن برامج المذياع لديها في أهمية برنامجها المفضل اليومي الذي من أجله تترك الفراش صباحًا لتصعد الدرج وتمارس الطقوس اليومية التي تعودتها من الجدة، فالمذياعُ أصبح في أغلب البيوت "دقة قديمة" لذلك لا تجدُ له مكانًا سوى على مائدة الجدة صباحًا أثناء تناول كوب اللبن الحليب وبعض الفطيرات أو البقسماط.

أثناء البرنامج تتخيلُ الطفلةُ السيدة الجالسة من وراء المذياع: سيدة طيبة وهو واضحٌ للغاية من نبرة صوتها، كبيرة السن، وهو ما تستخلصه من طريقة حكيها. باختصارٍ هي في عينيها سيدة لا تقلُ في الشبه عن "ماما عفاف" والتي تأنسُ برنامجها التليفزيوني الأسبوعي في كل جمعة أثناء تناول الفطور العائلي مع بابا وماما.

استمعت الطفلة لجميع حواديت السيدة الطيبة. كانت تستغربُ اسمها: لماذا هي "أبلة" فضيلة بينما الأخريات يُلقبنَ بـ "ماما" فهناك مثلًا ماما نجوى، وماما سامية وماما عفاف وغيرهن، فلماذا إذًا تسمى بـ"أبلة"؟

كان اسمها أيضًا غريبًا على مسامع الطفلة التي اعتادت الأسماء البسيطة ذات المخارج الضعيفة، على عكس اسمها الذي تضطر فيه لنطق حرف الضاد القوي واللام كذلك. ولماذا لا تظهرُ على شاشة التليفزيون لنراها كما نرى ماما عفاف التي نراها في كل جمعة صباحًا؟ واضطرت الطفلة أن تتمسك بصورةِ ماما عفاف نظرًا لتقارب نبرة الحكي الجميلة بينهما. وتظلُ الطفلة تتخيل أبلة فضيلة في هذه الصورة، حتى أتت المذيعة عندما أصبحت الطفلة أكبر كثيرًا في التليفزيون لتقدمها إلى جمهورها من الأطفال. وعندها أفصحت عن سر لقب"أبلة" التي فضلته على "ماما"، وتنبهرُ الطفلةُ كثيرًا بها، وتتمنى أن تكون ضمن الأطفال الذين يغنون مع أبلة فضيلة أو يتناقشون معها استثناءً يوم الجمعة حينما تديرُ اليومَ بصورةٍ مختلفة لتكسر عادة البرنامج اليومية وليكون هناك نوعٌ من النقاش وتبادل الحوار بين الأجيال.

تعلمنا الصدق، والحق، والأمانة، وأشياء كثيرة. وكنا ننتوي أن نستمع إليها بين أبنائنا بل وأحفادنا على موائد إفطارنا معهم، ولكن شاءت القرارات أن تحرمنا هذا الصوت الجميل وهذه القيمة الفضيلة، ليتوقف برنامجها في المذياع بعد سنواتٍ طويلة من تربيةِ أجيال الصدق والأمانة و.....الفضيلة.

الجمعة، 26 أغسطس 2011

رمضان زمان... رمضان دلوقت


كتبتُ من قبل عن رمضان كثيرًا وعن ذكريات رمضانية جميلة لكني اليوم أتكلم عن روح رمضان وسكينته التي تكاد تختفي من قلوبنا جميعًا في كل عام يُقبلُ علينا هذا الشهر. وهو ما رأيته وأراه سنة بعد سنة من مخالفات نهارية ترتكب دون حياء من الله في هذا الشهر الفضيل.
بدايةً أتحدثُ عن رمضان الذي كنا نحن الفتيات نخشى أن نسير في نهاره عراة الرأس، حتى وإن كنا بعد لم نبلغ سن التكليف، كنا نضع إيشارب بسيط أو طرحة لنغطي بها رأسنا احتفالًا بقدوم الشهر الفضيل واحترامًا له. وأتذكرُ أن خالتي جاءتنا أول أيام رمضان وطلبت مني أن أنزل معها إلى السوق، وقتها كنتُ بالصف الأول الإعدادي، وأسرعتُ إلى حيث تضع والدتي أغطية رأسها، وأخرجتُ واحدًا ووضعته على رأسي تمامًا مثلما كانت تفعلُ والدتي وخالاتي. وخرجتُ لأمسك يدها فضحكت مني وسألتني لماذا أضع على رأسي حجابًا وأنا مازلت صغيرة، فقلتُ لها أنني أخشى ألا يتقبل الله صومي وأنا غير محجبة. ولأنها كانت تعرف كم يكره أبي الحجاب قالت لي: فلنسرع قبل أن يأتي وينزعه عنكِ. واندهشت حين سألتني إذا كبرت سأضعه بصفة دائمة أم لا وأجبتُ بأنني سأضعه حتى وإن لم يرضَ أبي وساعتها ذكرتُ أنه لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق. وأنني عليَّ أن أعصاه في طاعتي لله.
لم يكن هذا الشعور شعورًا أتفرد به أنا وحدي، بل كانت غالبية الفتيات يشعرن بهِ ولا يخرجنَ من بيوتهن في رمضان إلا بعد تغطية رؤوسهن هكذا. حتى معلماتي بالمدرسة كنَّ يخفن ألا يُقبل صيامهن فكانت تحرصُ كل منهن على ارتداء أكثر الملابس حشمةً ويبتعدن عن أضيقها ويرتدين غطاء الرأس.
حتى كانت فتوى أحد المشايخ سامحهم الله عندما كانت مذيعات التليفزيون لا يظهرن في نهار رمضان نظرًا لخوفهن ألا يُقبل صيامهن لأنهن سافرات وتضع غالبيتهن المساحيق، فأفتى هذا الشيخ بأن مساحيق التجميل ليست حرام وأن الظهور بها لا يفسد الصيام، فرأينا بعدها المذيعات يظهرن بالقليل من المساحيق مع اختفاء بعضهن ممن ترفضُ الظهور نهار رمضان، وشيئًا فشيئًا ظهرت المذيعات بطريقةٍ مبالغ فيها غير مباليات بقبول الصوم منهن أو من المشاهدين من الرجال الذين سيُفتنوا حتمًا بهذا الظهور.
هذا عن التليفزيون، أما الشوارع فحدِّث الآن ولا حرج. ناهيك عن التجمل والتزين والمبالغات في ارتداء الملابس الضيقة نهار رمضان، يمكنك أن ترى الآن من يسب الدين في نهار رمضان، ومن يدخن الشيشة أو السجائر علنًا ويقولها بصراحة أنه مفطر دون أدنى شعور بالحياء أو الخجل لهذا الشهر. بل وأقسمُ أنني شعرتُ بالفجاجة من أحد رجال الشرطة في يوم من أيام جمعات رمضان يفتح ثلاجة المياه الغازية أثناء صلاة الجمعة التي ترك من أجلها صاحب الكشك كل بضاعته، فتناول زجاجة المياه الغازية وفتحها وشربها أمام الناس وعندما تمايلت رؤوس الناس استنكارًا مما فعل، قال لهم بصوته العالي: أنا فاطر.
رحم الله رمضان الذي غاب عن أغلبنا ويغيب عامًا بعد عام، ونتمنى أن نبلغه ويبلغه كل امرئٍ منا في السنوات القادمة حتى لا يشمت فينا الشيطان ويودعنا في أول يومٍ مطمئنًا بأنه قد ترك خلفاءه يُفسدون علينا روحانيات ومكتسبات وفضائل هذا الشهر.

حمار الإسعاف

مازلت مع مباراة المزاريطة لأسرد لكم قصةً فريدةً من نوعها. أولى مغامراتي في سيارة إسعاف. كنت الموسم الماضي قد تلقيتُ أمرًا بالتشغيل للذهاب في رحلةِ سفاري إلى وادي الحيتان بالفيوم. وقد كانت الرحلة الثانية أو الثالثة لي إلى هذا المكان الساحر. كانت الرحلة لثلاثِ عائلاتٍ إيطالية وقد بدأت الرحلة بالكلابشات. وقفت السيارات المخصصة لرحلة السفاري أمام الفندق لتأتي سيارة المرور وتضع على السيارة الأولى الكلابش لأننا انتظرنا لفترة طويلة. بعدها خرجتُ لأتفاهم مع المختص في هذا الأمر وبعد مناقشة والحمد لله استطعنا أن نركب السيارات لنأخذ طريقنا. في البداية لم أشعر بارتياحٍ للسيارة التي كنتُ بها، وطلبتُ أن أغيرها لأركب سيارة أخرى مع الشباب وهم شابان وفتاة في مرحلة المراهقة وأردتُ أن أصحبهما في نفس سيارتي كي لا يحدثُ ما لا أقبلُ حدوثه من جانبهم. فالفتاة كانت لعوبًا بما جعلني أقلق على الشابين، فقررتُ أن أغير السيارة وأطمئن لوجود الموسيقى التي ربما تلهيها عن أشياء لا أرغب فيها. كانت الرحلة موفقة الحمد لله ودخلنا المحمية ووصلت كل السيارات، وعندما وجدتُ إشعارًا بأن ما يتبقى لنا للوصول هو فقط كيلومتر واحد، هنأتُ الجميع. وفجأة، لا أدري كيف أصفُ ما حدث فقد كنتُ أتابع جيدًا المدق الذي كنا نسير عليه إذ كانت لي معه من قبل تجارب سابقة فطلبتُ من السائق أن يسير في الجهة الناعمة ويحاول أن يتفادى الجهة الأخرى. ولكنه اصطدم بشيء غريب أظنه كان حجرًا صغيرًا فأدار المقود فإذا بالسيارة تنقلب مرتين، إذ انفجر في المرة الأولى إطارٌ وعندما حاول السائق أن يكبح جماح السيارة انفجر الإطارُ الثاني فانقلبت السيارة مرتين وكنتُ أجلسُ بجواره ولم أكن أضع حزام الأمان، فشعرتُ كأنني في علبة أتقلبُ فيها كما يتقلبُ الطعامُ في مقلاة الزيت.
كل هذا يحدث وأنا أحاولُ التماسك كي أنقذ المجموعة التي بصحبتي. خرجتُ من السيارة وكل همي أن أرى ما حدث للمجموعة فهي مسؤولية خطيرة، وإذا بهم جميعًا وقد أصابتهم بعضُ الكدمات إلا الشاب الذي كانت تشاغله الفتاة، فقد شعر بآلامٍ حادة في ظهره ونظرًا لأن والدته طبيبة وكانت تركبُ بالسيارة الأولى التي سبقتنا في الوصول إلى المحمية فقد توقفنا وانتظرنا السيارة الأخيرة تتنبه أننا لم نصل بعد، كي يعودُ السائق لينقذنا بسيارته لأن تغطية المحمول لا تصلُ لهذا المكان باعتباره محميةً طبيعيةً خالية من هذه الخدمات للحفاظ على البيئة. انتظرنا حتى وصلت والدته وكان والده في تلك الفترة يوجه إليَّ اللوم وأنا أحاول امتصاص غضبه وأحاولُ كذلك أن أمازحهم بين اللحظة والأخرى كي لا نشعر بفظاعة ما حدث لنا.
على الطريق توقفت سياراتُ السياحة والجميعُ يسألني الفرصة للمساعدة، فكنتُ أجيبُ فقط أننا نريد أن يتصل أحدهم بسيارة الإسعاف للاطمئنان على سلامة الصبي. وعندما وصلت سيارة الإسعاف استطعتُ أن أُقنع الأب أن يصحب ابنه الثاني والفتاة في السيارة الأخرى ليكملوا مع كل أفراد العائلتين الرحلة. وركبتُ مع الصبي ووالدته سيارة الإسعاف. كانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها سيارة الإسعاف من الداخل. أخذتُ أتحدث إلى الشخص الموجود بها واكتشفتُ أنه لم يتخرج لا في كلية الطب ولا في كلية التمريض؛ إذ تخرج في كلية الخدمة الاجتماعية وتلقى بعدها دورات تدريبية في الإسعاف عندما استقدمت مصر هذه النوعية من سيارات الإسعاف من جنوب أفريقيا، وأُعلن في القرية أنهم يريدون شبابًا من حملة المؤهلات العليا فتقدم هو وبعض من زملائه للالتحاق بهذه الوظيفة. كان كل شيء بالسيارة يوحي بأنها لم تستخدم أبدًا من قبل، الملاءة نظيفة في كيسها الذي فتحه أمامي والأدويةُ على الأرفف مرصوصة بعناية. وطوال رحلتنا للوصول إلى المستشفى وأنا أسأله عن محتويات السيارة فيجيبني وأمازحه بين اللحظة والأخرى كما أمازحُ المريض ووالدته بالإيطالية. وأترجم أحيانًا لهما ما أقوله له وأفعل العكس معه. ظللنا هكذا طوال الطريق وفي المستشفى أجرى له الطبيب المختص أشعة سريعة وأقر أنه بخير وأنها كدمة بسيطة. في تلك الأثناء وصل صاحب شركة السياحة ومعه صاحب شركة السيارات السفاري، فركب المصاب ووالدته سيارة صاحب شركة السياحة في طريقهما إلى القاهرة وركبتُ أنا لأكمل الرحلة إلى وادي الريان مع العائلتين الأخريين. ثم عدنا إلى القاهرة ليلًا لنتناول العشاء معًا وكانت أول تجاربي في سيارة إسعاف.

الخميس، 25 أغسطس 2011

أستاذ سعد

كان مديري في العمل. هو رجلٌ جميلٌ طيب، تأنس بصحبته، وتقتنع بكلامه. دومًا كان يصفني بـ جمال عبد الناصر. عندما اندلعت أحداث الثورة قالها لي: كنتُ على يقين من كلامك أنها ستحدث. كنا نتحدث عن كل ما يدور من حولنا: مشكلات الشباب، العادات والتقاليد، الأسعار وأحيانًا كان يفيضُ عليَّ مما تعلم؛ فقد قضى أغلب عمره يعمل مترجمًا بالسعودية في أحد المستشفيات. كان يشرحُ لي حتى كيف يعطس الإنسان، وكيف يأتي الترشيح من أنفه، وكيف تنشأ المياه البيضاء على عين الإنسان.... ياااااااه كم تحدثنا معًا في أشياء نافعة! قضينا أوقاتًا نتكلم ونتكلم. كنتُ أثناء العمل أستأذن في الخروج لشراء غداء، ولم أكن أدرك أنه يتابعني. ذات مرة خرجتُ بإذن منه ووقفتُ لأبتاع بعض الموز، فإذا به يتابعني من بعيد. وعندما عدتُ سألني ماذا كنتُ أفعل، فأجبته بأنني كنتُ أشتري الموز. وتمر الأيام وإذا بهِ يتحدثُ عن موقفي في شراء الموز في غيابي، وعندما أهم بالدخول أجده ينهي حديثه بهذا الموقف، وأندهشُ أنه كان متابعًا بكل هذا الاهتمام لما حدث من موقفٍ بسيطٍ ليترجمه بفلسفة عقلانية شديدة انبهرتُ لها، فما كنتُ أستشعر لموقفٍ بسيطٍ كهذا ما قدره هو بسنوات الخبرة من قيمٍ لم أكن أضعها في الحُسبان، بل كنتُ أقوم بالموقف
بمنتهى البساطة.
كان أحيانًا يحدثني عن ابنته، عن خوفه وقلقه عليها. كنتُ أشعرُ ومازلتُ أنه أبٌ حنونٌ يعوضُ ساعات يفتقدها في الحديث مع ابنته في حديثه معي. كان يؤلمني كثيرًا ما أسمعه من أخبارٍ عن مرضه. يفاجئني من وقتٍ لآخر بمكالمة يطمئن بها عليَّ، وأطير فرحًا بها. أتمنى أن يمد الله في عمره ما طال عمري، كي لا أتألم لفقدانه كما افتقدتُ آخرين.

مباراة كرة يد


ذكرتني مباراة المزاريطة بمباراة كرة اليد التي شاركتُ فيها. تحديدًا عندما استهانَ جوني بـ "القطر" وأجلسه على دكة الاحتياطي. كنتُ أحبُ كرة اليد لأنني كنتُ أكره إزعاج الرجال لنا بإجبارنا على متابعة كرة القدم المملة السخسفة في رأيي. وعندما التحقتُ بمركز الشباب قررتُ أن أسجل نفسي في فريق كرة اليد. كان الفريق ساعتها مكون من فتيات وشباب. وكانت الفتيات يلعبن بمنتهى الحرفية لأن بعضن كانت ضمن فرق أخرى بأندية كبيرة، بينما كنتُ أنا أمارسُ اللعبة للمرة الأولى في حياتي. كانت مثلي زميلة التحقت مؤخرًا بالفريق وكانت بدينة نوعًا ما. كنا نلتقي معًا ونتضايق أحيانًا من تفضيل المدرب لبعض الفتيات في الفريق علينا. لكننا كثيرًا ما كنا نرتكبُ أخطاءً تشبه إلى حدٍ كبيرٍ أخطاء إسماعيل يس في سلسلة أفلامه في البوليس الحربي والبحرية وغيرها، مما كان يُثير ضحك الكثيرين وخصوصًا الفتيات اللاتي كن يعبن علينا بعض الحركات الخاطئة في اللعبة، أتذكرُ منها أنني لم أكن أتحكم بالكرة جيدًا عندما أضربها على الأرض مرات قبل أن أُسددها؛ فكان غيري من الفريق الآخر يسهل عليه اختطافها.
كثيرًا ما حاولتُ ألا أخاف الكرة عندما تأتي إليَّ فقد كانت حوادثُ الكرة معي عندما ترتطمُ بوجهي أو برأسي كثيرة مما جعلني أخشاها حين تقترب مني وهو الذي جعل قائد الفريق يسخر مني أكثر. كذلك إصراري على ارتداء بنطلون واسع فضفاض أثناء اللعب جعله يُطلق عليَّ أحيانًا أسماء غريبة.
وفي أحد الأيام قرر المدرب إقامة مباراة بين الفتيات والشباب، وكنتُ أثناء التدريب مع الشباب أحرصُ على عدم الاقتراب منهم، فكانوا يضحكون مني كثيرًا، وأثناءَ تشكيل الفريق المضاد للشباب قرر المدرب أن أكون على دكة الاحتياطي. وأنا أتابعُ المباراة التي كان المشجعون فيها من الشباب الذين أخذوا يسخرون من فريق الفتيات سخرية لاذعة. وبالطبع تدركون التقدم الذي أحرزه فريق الشباب مقابل التأخر الذي جعل الفتيات مهزومات هزيمة نكراء. حتى تعبت فتيات بالفريق فقرر المدرب ساعتها آسفًا أن أنزل إلى الملعب لأكمل. ولا تتخيلوا قدر السخرية التي أحاطتني عند النزول من الجميع. وأطلق المدرب الذي لعب مع فريق الفتيات ليكمل العدد صافرته. وبدأت المباراة... عندها شجعتني السخرية أن أبلي بلاءً حسنًا، فكنتُ على غير المتوقع من الشباب الذين كانوا يعرفونني قبلًا بأنني لن أجازف وأقترب لآخذ الكرة منهم، أفعل. وقد صادفني الحظُ كثيرًا إذ قطعتُ الكرة عدة مرات على فريق الشباب ومررتها لزميلاتي بالفريق ليحرزن أهدافًا جعلت فتيات المركز ينجذبن لمتابعة المباراة. وبدأت هتافات الفتيات من الخارج تعلو، وتحفز المدرب لأدائي كثيرًا وكنتُ أراهُ يتوقف ليفرك عينيه فكان لا يصدق أنني سأفعل ما فعلت بكل جرأة وشجاعة. وفي النهاية انتصر فريق الشباب ولكن بفارق بسيط للغاية بعد نضالٍ عنيف، بعدها ازدادَ المدرب ثقةً في وكنتُ أعودُ لخوفي من الكرة بينما أقوم بالتدريب، فيذكرني أنني ما كنتُ أفعل أثناء المباراة.
أطرف تعليق مر بمسامعي قبل أن أنزل للانضمام إلى فريق الفتيات أثناء المباراة كان: يييييييييييي أصل البنات تُخان جدًّا إزاي هيكسبوا الصبيان بس؟؟؟؟ ههههههههه
أتذكرُ تعلقي الشديد باللعبة فكنتُ ألعبُ في الجناح الأيسر أظن أو الأيمن. وتمرُ الأيام وأنشغلُ بالدراسة ويأمرني والدي أن أترك مركز الشباب وألا أعودَ إليه، فأفعل. لكن مباراة أمس للمزاريطة ذكرتني بأجمل شيء كنتُ أمارسه في حياتي........ الرياضة.

الثلاثاء، 23 أغسطس 2011

بالشوكة والسكين 2

نكمل حديثنا مع الفروق الاجتماعية الغريبة التي أوجدتها أخلاق المجتمع التي لا تمت بأي صلة إلى الدين، وهو ما ينبغي أن يكون لنا المرجع الأخلاقي الذي نستمد منه المنهج السلوكي المتزن في المجتمع. ففي حديثي مع إحداهن ذات مرة تطرقنا إلى المكان الذي نشأنا فيه وتربينا، وكانت هي من حي مصر الجديدة وأنا كما تعلمون من القاهرة الفاطمية أي من أشد أحياء القاهرة القديمة فقرًا في نظر الآخرين، وما إن أكملتُ حديثي عن مكان نشأتي إذا بها ترمقني بنظرة غريبة لم أضعها في حسباني من قبل ولم أتوقع أنها ستفعلها عندما أذكر مكان ميلادي ونشأتي. والحق أنها كمثيلاتها اللاتي يقيمن الإنسان بمكان نشأته من حيث انقسام مصر إلى: ريف، ومدينة. والمدينة يُشارُ بها إلى القاهرة أو الإسكندرية لأن ما عداهما في نظر المجتمع هو إما قبلي أي صعيد أو بحري وهنا يأتي انقسامٌ آخر فهو إما فلاح أو من مدن ساحلية. ونظرًا لنقص الخدمات في كل محافظات مصر بما فيهم المدن الكبيرة، تجد مَن ينظر إليك بنفس النظرة الدونية؛ فأبناءُ القاهرة ينظرون إليك أنك إما فلاح-وبالمناسبة هو ليس عيبًا وإنما هو شرف إلا إذا اعتبره الآخرون شيئًا معيبًا- أو صعيدي وبالإنصات إلى جميع النكات التي قيلت في حق الصعايدة وأبناء الوجه القبلي فأنا أرى أننا جميعًا مدينون إليهم بكل حسناتنا وإن لم تكفِ فستُطرح مؤكدًا علينا سيئاتهم في الآخرة؛ إذ لا تخلو أحاديثُنا من سخرية على أبناء الوجه القبلي أو الصعيد.
أما داخل المدينة الواحدة أي القاهرة، فنحنُ أمام تقسيمة أخرى: أحياء راقية، وأخرى شعبية أو عشوائيات. وإذا صادفك الحظ بالحديث مع أي ساكن لأحيائنا الجديدة أو الراقية، فستندهش أنك توضع في كادر الشحاتين أو المرتزقة، هذا وإن بلغت مكانتك مبلغها من العلم والفن والأدب، فأنتَ حتمًا منبوذٌ بينهم.
والحق أن الظروف الاجتماعية قد حتمت علينا أن نخلق أنواعًا متعددة وأشكالًا من الكراهية والاختلافات الغريبة التي تجعل تقييم الأشخاص وحكمهم سطحيًّا إلى أقصى درجة. ولن أطيل عليكم فلي معكم حديث أكمله في الغد بإذن الله. لكنني أريد سماع أصواتكم في هذا المضمون حتى وإن كان قد قُتل بحثًا من قبل.

الاثنين، 22 أغسطس 2011

بالشوكة والسكين

اليوم أحدثكم عن شيء نعانيه كثيرًا وهو التقليل من شأن الحرف التقليدية اليدوية ومَن يمتهنها. وقد جالت بخاطري مواقف متعددة منها موقف لشخص أراد الارتباط بي رغم فارق التعليم القوي بيني وبينه وكذلك فارق التفكير والتناقضات الغريبة بين شخصي وشخصه، وكانت نقطة الالتقاء التي أراد التقرب إليَّ منها هو أنني أقومُ بتسويق منتجات يدوية أصنعها بنفسي. هو لا يرى سوى أنني رغم الفارق التعليمي والفكري الكبير بيني وبينه لستُ في نظره سوى بائعة لمشغولاتي اليدوية. بل ومن فرط طيبته أرسل إليَّ شخصًا يطلبُ مني أن أتنازل عن عملي كمترجمة ومدرسة وأعمالي الأخرى لأتفرغ لأعمالي اليدوية حتى لا أترفع عن القبول به كزوج.

والحقيقة أنني لم أقبله كصديق للاختلافات البشعة بيني وبينه فكيف بي أقبله كزوج؟ لكن ما أهمني هو محاولته التقليل من شأني مستغلًا فرصة ضعيفة للغاية. لا أنكر أنني أسوق منتجاتي اليدوية وأحب أن أشغل وقت فراغي بها، ولا أنكرُ أن العمل ليس عيبًا، لكن هل أصبحت المهن البسيطة والحرف اليدوية ذريعة للتقليل من شأن الآخرين؟

لقد عمل الرسولُ صلى الله عليه وسلم كراعٍ للغنم، وبعدها عمل كتاجر، وكان داوود عليه السلام حدادًا، وكان نوح نجارًا، ولم يكن أيُّ نبي يعملُ مهندسًا أو رجلَ أعمال أو مديرًا لإحدى الشركات الكبرى. الحرف البسيطة ليست عيبًا وإنما العيب في اعتبارها عيبًا.

الأمر الذي عانيت منه أيضًا كان في إقناع والدتي بمشاركتي في المعارض لتسويق هذه المنتجات، وأنه لا يعيبني تسويقها، وأن الكثيرات من زوجات رجال الأعمال وصاحبات المكانة المرموقة في المجتمع يقمن بتسويق منتجاتهن أيضًا، لكنها رأته عيبًا وأصرت على اعتباره كذلك.

ما رأيته وعانيته فقط كان في مجتمعنا الغريب، ولكنني بمخالطة الجنسيات الأخرى وجدتهم يُعلون من شأن الحرف ويعدونها أشياءَ ذات قيمة عالية لا بد للمجتمع أن يرتقي بها حفاظًا عليها كجزء أساسي في منظومة الإنتاج. ومن هنا أتى الحرص لديهم على تأمين العامل وسلامته وكذلك حرصوا على استغلال قدراته وتوظيفها بما يليق. الغريبُ أنني قابلتُ نماذج لعمالٍ وحرفيين تسعى شركاتهم ومصانعهم إلى ترفيههم وتثقيفهم وكانت زيارتهم لمصر إحدى هذه الوسائل.

ونظرة ألقيتها على مجتمعنا الذي يُخرج إلينا شبابًا حتى لا يتقنون القراءة والكتابة وأقصى أمنياتهم الجلوس على المكاتب كموظفين حكوميين لتحصيل الرواتب البسيطة آخر كل شهر.

وأتعجبُ من هؤلاء الذين ينظرون إلى الشاب الذي يوظف إمكاناته لإنتاج سلعة وتسويقها وفقًا لما درسه من نظريات أثناء دراسته أنه شابٌ ذو مكانة متواضعة، وبمضاهاته بموظف حكومي لا يتقاضى سوى القليل ولا ينتج للدولة سوى المزيد من الكسل الوظيفي العام، فإن الموظف ذا المكانة والدرجة يحتلُ مرتبةً عليا في نفس أي أب يريد الزواج من ابنته.

غدًا أكملُ الحديث

الأحد، 21 أغسطس 2011

لا تعب أخاك المبتلى


ربما لم يكن يخطر ببالي أن أكتب عن هذا من قبل، لكنني قررتُ اليوم أن أكتبه في اعترافٍ مني لنفسي وللآخرين أنني أخطأتُ في حق الكثيرين ولكن عن سوء فهم وتقدير مني. فكنتُ أخوضُ مع الخائضين وأتكلم مع النمامين وربما مازلتُ لكنني اليوم أكثر حرصًا عن ذي قبل في تلجيم لساني حتى لو رأيت الكثيرين لا يلجمونه لكنني وجدتُ علامات وإشارات من الله بالابتلاء كانت وبفضل الله لي رادعًا وستظل وأنا سعيدةٌ بها.

الفكرة ببساطة أنك حينما تستمع إلى حديثٍ من فتاة أو أخرى وتألفه أذناك تستغرق معها وتأكلُ من ذات الفاكهة، حتى ولو كان على حساب الآخرين، دون أن تراعي أن الله بعث إليك بملكين يسجلان عليك أخطاءك. وقد كنتُ ومازلتُ في تلك الغفلة وغيري كثيرون، إلا أني ابتُليتُ ببعض الأشياء التي جعلتني أفتشُ في الماضي لأدرك كيف استهنتُ ببحثي عن عيوب الناس الخلقية كما فعلت صديقاتي من قبل وتجرأت لفعله.

والحق أن الله عاقبني بمثل ما أعبتُ على غيري فيهِ؛ فوجدتني أتجرع من نفس الكأس. لكنني أحمد الله على نعمة رد حق هؤلاء المظلومين في، فقد تمكنتُ من الاطلاع على عيوبي ومحاولة الانشغال بها، بل وقابلتُ بالصدفة بعض هؤلاء الناس لأطلب إليهم أن يسامحوني. كنتُ أنوي ذكر أمثلةٍ، لكني أؤثرُ الصمتَ عنها كي لا أفضحهم مرةً أخرى بجهلٍ مني. وندائي إلى الجميع ليس فقط في هذا الشهر بل وفي أشهر العام كله أن يتحروا ما ترمي به ألسنتهم الآخرين.

السبت، 20 أغسطس 2011

وردة صفراء



موقف جميل مازلتُ أتذكره بين الحين والحين. ربما لا يعني لي شيئًا، ولكن له معنى لدي أو ربما يثيرُ في نفسي أشياء. كنتُ في الصف الرابع الابتدائي، وقتها كانت فصول المتفوقين هي الفصول الأولى. فصل رابعة أول كنتُ أجلسُ في الصف الأول عن يسار المدرس أو الرابع عن يمينه. أحيانًا كنتُ أبدل الأماكن، حيث يجلس "علي" ولكن هذا الفتى الذي يبدو أكبر من عمره لم أعرفه ولم أدرك لما قاله معنى ولا قيمة إلا الآن.
أُعلنت رحلة جميلة إلى حديقة كنتُ أتمنى الذهاب إليها، لكنني لا أتذكر لماذا منعتني أمي من الذهاب. في هذا الصف كانت علاقتي بـ "سارة" صديقة عمري التي هاتفتني لتوها أمس قد بدأت تتأصل كثيرًا. كنا لا نُرى فرادى، بل كان من الصعب أن نفترق. الشيء الذي يميزنا أنها كانت أطول مني بكثير، ما يجعلني أبدو قصيرة قصيرة من فرط طولها. في اليوم التالي لرحلة المدرسة التي لم أشترك بها كنا قد قررنا أنا وسارة أن ننزل إلى فناء المدرسة وقت (الفسحة) وأخذنا نتمشى ونتكلم كعادتنا بهدوءٍ شديد وبحبٍ تنصح إحدانا الأخرى في أمورٍ دينية ودنيوية. الأمر يتفسر لاحقًا عندما كبرنا وترعرعنا معًا على المباراة لقراءة كتاب الله ومحاولة حفظ آياته وحضور الندوات الدينية والدروس. وفي أثناء سيرنا ألمح "علي" وصديقه يسيران بجوارنا، وفي يده وردة جميلة صفراء يُقربها من أنفه، فخطفني لونها الجميل، فقلتُ لسارة: ما أحلاها!! فإذا به يلتفتُ فيشرع في تقديمها إليّ، فتسألهُ سارة أن تحتفظ بها لنفسها. فيقول لها على الفور: لأ، دي لرانيا، عشان هي شاطرة زينا.
لا أُخفي أنني حينها فرحتُ بغرورٍ ألوم نفسي عليه حتى الآن، لكنني لملمتُ نفسي ولم تأخذني الفرحة فـ "سارة" هي الصديقة الجميلة المخلصة لي التي أحبها كثيرًا وقد آلمتني الكلمة تمامًا كما آلمتها. لكن "علي" لم يدرك كيف جرح بكلمته البسيطة مشاعر "سارة" بالرغم من أن الوردة لم تكن تعني كما قلتُ سابقًا أي شيء لي أو لها، لكن الموقف ذاته باتَ مؤلمًا لي قبلها.
وتمرُ الأيامُ ولا أدرك حقيقة الوردة إلا الآن إذ كانت تعبيرًا بسيطًا عن انجذاب طفلٍ بطفلة، يختلفُ عن انجذاب المراهق أو حتى البالغ. فالوردة ساعتها كانت رابطًا بسيطًا أظهر من خلاله كيف لطفلٍ صغيرٍ أن يلتفت إلى طفلة لمجرد اشتراكهما في شيءٍ واحد.
مشاعرُ الأطفال ليست بالنضوج التي نحكم بتقييمنا لها بالقدر الذي نحكم به على مشاعر المراهقين والكبار.

الجمعة، 19 أغسطس 2011

وها قد آن الأوان لأتحدث عن ابنتي الكبيرة وأختي الصغيرة


لا أدري كيف مرت السنوات كالرياح أو كلمح البصر لأجد نفسي أجلس لأحدثكم كيف سمعتُ لأول مرة بهذا الخبر. في البداية لم أصدق، لكنني عندما دخلت مع أمي إلى الصيدلية لتشتري دواءً لها سمعتها تخبرُ الصيدلاني أنها "حامل". وقتها صدقتُ أنني سأحمل على كتفي من جديدٍ نونو كما حملتُ لخالاتي وأخوالي أبناءهم وبناتهم. كانت فرحتي بالطفل الصغير الذي دعوت الله أن يكون بنتًا أكبر من فرحتي بأي شيء ربما تحلم ابنة الثانية عشرة ربيعًا به. في اليوم الذي ذهبتُ فيه إلى المدرسة كانت أمي تعاني آلام الولادة، كنتُ أريدُ أن أذهبَ معها إلى المستشفى، لكنني ما فعلتها مع أحد من خالاتي من قبل، ربما كان عيبًا أن أظل معها، وكذلك كان عليَّ أن أتذكر ما كانت تقوله لنا دومًا: مَن غابَ خاب. أي أن من غابَ عن المدرسة يومًا خابَ فيها.
في المدرسة سألتني الصديقات عن قلقي الواضح فقلتُ لهن إن ماما ذهبت لتلد. أخذت الصديقات تهنئني، وكنتُ أكتوي بلهفةِ اللقاء والشوقِ للطفل الجديد حتى أنني كنتُ أريدُ اليوم الدراسي ينقضي بسرعةٍ شديدة لأعود إلى المنزل وأرى النونو.
عندما عدتُ إلى المنزل صعدتُ الدرج لأجد جارة جدتي تهنئني وتقول لي: مبروك. فقالوا لي كما أرادوا قبلًا غيظي: أتعرفين إن كان ولدًا أم بنتًا؟ فقلتُ بخيبةِ أملٍ: إذًا فهو مصطفى!! فقالوا: لا، هي أميرة.
ساعتها دبت الفرحة وكدتُ أطيرُ..نعم هي مَن انتظرتها وكنتُ أتمناها: أميرة. سأصنع لها الفيونكات والضفائر الحلوة، ستنام معي في سريري، وأحكي لها حكاياتٍ كثيرة.
كانت أمي تذهبُ بعد انقضاء الثلاثة أشهر الأولى إلى العمل وتتركها لي وتترك لي قطع الجبن المثلثة لأطعمها. مازلتُ أذكر كيف كنتُ أضع الجبن بفمها. وعندما كانت ترتفعُ حرارتها كنتُ مع أمي نحاولُ إسعافها بأي شيء ونتمنى أن تزولَ عنها آلامها فتأتينا.
عندما دخلت المدرسة كنتُ أصنع لها فيونكات في الصباح، كل يوم أصنع لها ضفائرَ أجمل من اليوم السابق. كنتُ قد ادخرتُ لها فستاني لترتديه. فرحتُ عندما بدت هي فيه كما كنتُ أبدو، بل أحلى بكثير في عيني.
مضت السنوات، وهذا العام تدخلُ الجامعة. كانت فرحتي بها عارمة حين علمتُ أنها ستلتحق بكلية من كليات الفنون، فقد كانت إحدى رغباتي أن أراها فنانة عظيمة كما هي عادتي أن أراها كذلك من رسوماتها الجميلة.

كحك ومناقيش

اليوم تذكرتُ كيف كانت جدتي تُحضر برطمانات المسلى البلدي لتفرغها في وعاء ألومنيوم وتضعها على الموقد لتسييلها ثم تأتي بطبق العجن الكبير بعد غسيله جيدًا وتنشيفه وتضع الكمية المطلوبة من الدقيق ثم السمسم فرائحة (الكحك) وتصب بعناية وحرص السمن في منتصف الطبق الكبير. وأبدأُ بالعجن بالتعاون معها. أفركُ العجينَ جيدًا وأشعرُ كم أنا خائبة كلما نظرتُ إلى يديها وهي تفركُ بمهارةٍ تفوق بكثير ما أصنع. وأنظرُ إلى يدي وأقارنها بيدها وأقول يومًا عن يوم: يدها أكبر من يدي، غدًا ستكبرُ يدي وأصنعُ مثلما تصنع هي.
اليوم أتمنى أن أقبل يديها الجميلتين اللتين أشتاقهما.
تتركه يختمرُ وعندما ترفع الملاءة البيضاء عن العجين وتجده قد تغير وكبر تسمي الله وتصلي وتسلم على النبي محمد، وأحيانًا كنتُ على عجلٍ أكشفُ العجينَ كي أستعمل المناقيش التي أنتظرها من السنة إلى السنة، فتسرع بيديها وتضربني على يدي خصوصًا عندما أقول بسرعة: أهو العجين خمر يا تيتة، فتُسرع بتغطيته وتقول: اللهُ أكبر، بسم الله، صلاة النبي، صلاة النبي.
تقطيعُ العجين كان العقاب إذا ما حاولتُ إغضابها فتحرمني من النقش على الكحك بمنقاشها النُحاسي الجميل. مازالت المناقيش تتوعدُ يدي إذا أخطأت وأغضبت صاحبتها رحمها الله.
أحيانًا كانت جدتي تُغني أغانيها القديمة التي لم يكن لأغلبها صلة بالكحك بل كانت له صلة بالزمن الجميل الذي عشقته من خلال صوت المذياع الذي كانت تحرص على إدارته يوميًّا صباحًا بعد الصلاة والتسبيح.
يأخذني صوتها وهي تغني كل القديم. أحب منها نجاة ووردة وليلى مراد وهدى سلطان وآخرون وأخريات.
تطرقُ الباب الجارة، فتفرح جدتي وتسألها عن المقادير المناسبة للـ(كحك) والبسكويت. أحيانًا كنا نسبقها في صناعة البسكويت، لتأخذ منا ماكينة صنع البسكويت في اليوم التالي.
كانت تيتة تستغل الصيام لعمل الكحك لأنها كانت تراني بعد الإفطار أضع قدرًا من الملبن في العجين وقدرًا بسيطًا أقتطعه لأضعه في فمي، فتنظرُ إليَّ وتقول: إحنا هنشتغل بقى ولا هناكل؟ حتة في الكحكة وحتة ف بقك؟ وكأنها كانت تقول لي بكلماتها إنها تلاحظُ ما أصنع حتى لو حاولتُ مغافلتها.
في آخر اليوم كنتُ أجلسُ بجوار الفرن لاستخراج الصواني ووضع الصواني الأخرى. كان كل شيء يتم بإدارتها وتدبيرها وبمساعدة والدتي.
لستُ أدري لماذا كان (كحك) تيتة في كل عامٍ يتفوق على (كحك) الوالدة رغم نفس طريقة الصنع والمقادير فلكلِّ شيءٍ كانت تصنعه رحمها الله مذاقه الخاص.

الخميس، 18 أغسطس 2011

نفسي في طبق قمر الدين عليه عين جمل وبندق وزبيب من إيدك يا تيتة


بجد وحشتني أطباق تيتة الزجاج أو الصيني الواسعة الكبيرة، وحرصها على تلميعهم وتنشيفهم ورصهم في البوفيه بمنتهى العناية حتى لا ينكسروا لأنهم من (جهاز تيتة وهي عروسة).
فاكرة كمان الطبق اللي كان صعبان على تيتة لأنه كان غالي وفخم جدًا ولما انكسر نصين وشافته تيتة أم كريمة رحمها الله أخدته من تيتة عشان تروح بيه وتلحمه على طول قبل ما ينكسر بزيادة.
زبيب تيتة اللي بترصه على الأطباق له طعم مختلف تمامًا، وكمان جوز الهند اللي كنت مش بحبه، وعشان كدة تيتة كانت بتعمل لي كذا طبق مش مرشوشين بجوز الهند.
كالعادة لازم كل البيت بجيرانه يدوق من أطباق قمر الدين بتاعتها. دا زي الرز باللبن والعاشورة وكل الحاجات الحلوة الجميلة والأكلات اللي عمر ما حد من بنات تيتة أتقنها بدرجة إتقانها هي نفسها.
إحنا في آخر رمضان وكان زمانها بتتكلم مع ماما وبتتفق على الخميرة والدقيق وريحة الكحك. ياااااااااااااه أنتِ وحشاني قوي بزيادة يا تيتة. مش عارفة ليه مش عايزة أروح المصيف السنة دي لأني كل مصيف بفتكرك لما كنتِ بتلعبي معايا الكوتشينة والدومينو وتقفي لي في البلكونة تتفرجي عليّ وأنا بلعب بالعجلة في الشارع وتنادي عليّ بأعلى صوتك كل ما أقرب من العربيات في الشارع. فاكرة يا تيتة ولا نسيتِ؟؟ لا أنا عارفة لا يمكن تنسي ولا يمكن أنسى أطباق قمر الدين اللي حلاوتها في بقي لسه بتفكرني بأحلى أيامي.
بوسة كبيرة على أحلى خد.

الأربعاء، 17 أغسطس 2011

كانت بتقول

رحمها الله كانت بكلماتها البسيطة تبثني معاني جليلة. السفيه داريه وهات كحك بسكر وهاديه. واعمل لك في كل بلد صاحب ولا تعملكش في كل بلد عدو. إن كان جارك في خير افرح له، إن ما نابك منه يجنبك شره. قلب المؤمن زي البرق اللامع. وكانت بتدعي تقول: يا رب اجعل قلبنا أبيض من كفنا.

فلسفة جميلة لأيام أجمل تبسطها للعوام وثقافتها في محاورة أعالي الأقوام. رحمها الله وجنبنا المسيئين السفهاء.

الناس زمان كانت بتحب بعضيها

ولما كنا نسرح بالخيال ونفتكر الناس زمان، كنا نقول بعد خيالنا في نفس واحد: الناس زمان كانت بتحب بعضيها.

شوف فلان دا اللي كان فاتح لنا البيت وكنا بنروح ونقعد ونتلم ونلعب لحد الصبح، ولا احنا لما كنا بنعزم الناس هماهم ويفضلوا بايتين عندنل بالليلة والليلتين وما نبطلش ضحك ولعب وفرجة ع التليفزيون. ونلاقي نفسنا فجأة سكتنا عن الذكريات وخرجنا تنهيييييييييييييييدة طويلة وقلنا ف نفس واحد: بس الناس زمان كانت بتحب بعضيها.

تفتكروا الناس ليه بطلت تحب بعضيها؟ هو الخير إيه اللي شاله من قلوبنا وزرع مكانه الحقد والحسد والغيرة والنكد والبُغض والكراهية؟

ليه الناس بطلت تتكلم وتضحك وتتنطط وتلعب وتبات عند بعضهم؟ ليه الناس بقت كدة؟ ليه وليه وليه؟؟ وفي الآخر نلاقي دموعنا نزلت على ذكريات الماضي وقلنا في نفس واحد: بس الناس زمان كانت بتحب بعضيها.

الثلاثاء، 16 أغسطس 2011

سيشوار من مجموعتي: جاءني السيد بيانو

سيشوار

تداعبُ خصلات الشعر الداكنة تيارات هوائه الساخنة

تتمايلُ في عذوبة

تلمحها أخرى في مثل عمرها.. لم تره من قبل

تقلدُ حركاتها الانسيابية التي صنعتها التيارات

تطوفُ بأنظارها البائسة في هذا المكان

هذه تضعُ ثوبها

والأخرى تضع تاجًا بلؤلؤاتٍ فضية

تنزوي في ركنٍ بعيد

تتمنى أن كانت مثل هذه..

بل مثل تلك

تديرُ أحيانًا رأسها

تُخفي نظرات الدهشة كلما سمعت إحداهن تتحدثُ بخبثٍ إلى أخرى

فتُصيب ما لم تكن تريد هي سماعه

وفجأة

تُلقيه في يدها الرقيقةحين انتبهت أنعا تراقبهن جميعًا باستغراب

فيسقط من يدها لشدة حرارته

فتعلو قهقهات النساء

..........

الاثنين، 15 أغسطس 2011

غير المغضــوب عليهم...ولا الضـالـــــــــــــــــين!!


رانيا مسعود

بعد أشهر من محاكمة الرئيس، تظهر المذيعة على القناة الأولى ترتدي زيًّا رسميًّا لائقًا بالمشهد ويجلس أمامها شابٌ ثلاثيني –كما يقولون- تحاوره المذيعة الحسناء ويجيبها في ثبات وثقة وكأن شيئًا لم يكن. يبدو منتشيًّا ساخرًا مما حدث. وإمعانًا في السخرية تطلب المذيعة من معد البرنامج أن يعرضَ لها المشاهد التي يُعلق عليها الضيف باستخفافٍ يُثيرُ أغلبَ المشاهدين الذين يستشيطون غضبًا لمجرد رؤية هذا البُرص أمامهم مجددًا. في أثناء حديثها إلى الضيف لا تنسى المذيعة الحسناء أن توجه له أسمى آيات الاعتذار والتبجيل والامتنان لمواقفه الثابتة رغم ما مرَّ بالضيف وأبيه وأخيه من مشاهد سخيفة حاول بها بعضُ المغرضين الحاقدين النيل من شخصه الكريم وكل أفراد عائلته الذين أفنوا حياتهم فداءً لهذا الوطن ولترابه، بدءًا من أبيه الذي خدم الوطن بشرف الجندية كمحارب، وانتهاءً بأخيه الذي فقدَ أعزَ ما لديه فلذة كبده ومع ذلك ذهب في مهمة خارج البلاد بصحبة أصدقائه ورفاقه لمؤازرة أبناء الوطن المخلصين في إحدى مبارزاتهم ضد الخصم اللدود. أما أمه فكانت تفني حياتها ليل نهار في خدمة المجتمع بقطبيه وتشغلها بخاصة قضايا الأسرة فهي نواة المجتمع الأولى التي تحرصُ على إنمائها كالنبتة القوية الراسخة في جذوره.

سرحتُ بفكري و هاتفتُهُ على الفور، وقلتُ له: أما كنتُ أقولُ لكَ منذ البداية استعد لاستقبال 85 مليون مواطن لديك ولدى زملائك في عيادات الأمراض النفسية والعصبية؟؟ أما قلتها لك من قبل؟ وقلتَ لي إذًا سأكونُ أنا أولُ مريض بها؟؟!!

أما الشارعُ فقد انقسم إلى قسمين: فهناك مَن ظل على رأيه وهو قليلٌ إذ لم يتبقَ له من الحقيقة ما لا يدع له مجالًا للشك فيما حدث ومَن أحدثوه. وهناك مَن قال: كنا نقول منذ البداية إنهم مأجورون ولم يصدقنا أحد إلا بعد خرابها. والناس في الشوارع تسير كالسكارى وما هم بسكارى. يخشى بعضهم أن يقع في المحظور فيُعرض نفسه إلى بطش أعداء الحق الذي أصبح باطلًا رغمًا عنه، فأراهُ يقول: لا لم أكن معهم، كنتُ أؤكد أن ما يحدث من مأجورين. وهناك مَن يرمي بكلماته شامتًا مما حدث ويطلقُ ضحكة تشقُ سماء الميدان: هأأو قلنا كدة وأديهم خربوا البلد...

أُتابعُ الموقفَ مذهولة، وأفركُ عينيَّ ربما كنتُ في بلدٍ غير بلادي كما قال الشاعرُ، أو ربما كنتُ أمارس لعبة المغضوب عليهم وفي غفلةٍ منَّا انتصر الضالون. أتحولُ إلى شارعٍ جانبيٍّ فما أكثر المتحولين!

15عم محمد

وداعًا عم محمد

اقتربتُ من الباب لأحاول سحبه بالطريقة التقليدية وتلوتُ الدعاء سرًا فإذا بي أراها على نفس الكرسي تجلس ولكن هذه المرة لاحظتُ اصفرار وجهها وشحابته. اقتربتُ لأسلم كعادتي فرأيتها ترتدي الأسود على غير العادة، فدفعني الفضولُ أن أسألها، فأجابت: بابا توفاه الله. فقلتُ: متى؟ فقالت: قبل رمضان بيومين. لم أصدق ما قالت فأعدتُ عليها السؤال فإذا بها تؤكد لي مستنكرةً أن تكذب في مثل هذه الأخبار. حبستُ دموعي خاصةً أن عينيَّ كانت متورمتين بما يكفي من آثار الأنفلوانزا اللعينة. انسحبتُ بهدوء كي لا تتذكر فتبكي. دخلتُ أحاول نسيان الأمر. عم محمد كان يعمل هنا، كان يرتدي بدلة ويقابل الناس ويُدخلهم بعد الاطلاع على بطاقات العضوية أو تذاكر الحفلات. ابنته صديقتي كنا قد تعارفنا في حفلٍ وكنا نتفق على أمورٍ نفعلها معًا. في يومٍ من الأيام جاءتني إيمان بخبر تعيينها في نفس المكان حيثُ يعملُ والدها، فرحتُ بالخبر لأنني سأراها كلما دخلتُ المكان إلا في يوم الثلاثاء الإجازة الأسبوعية لها ولوالدها عم محمد. كنا لدى عودتنا إلى المنزل أحيانًا نركب معًا، كنتُ أحيانًا لا أريدُ أن أثقل كاهله بثمن التذكرة التي يصر على دفعه، رغم بساطة الأجر فإنني كنت أشعرُ بالحرج. كان يُشعرني كم أفتقد الأب الذي تشد على ذراعه ابنته في غدوها ورواحها. كنتُ أسمعهما يتجاذبان الحديث عن أمورٍ بالعمل. كان يحكي لي أحيانًا مواقف في العمل أو في حياته الخاصة. كم كان يشبه أبي! لكن أبي لم يكن في طيبته. أحيانًا كنتُ أراه عصبيًّا، لكن شعوري بالحماية الذي كانت تحيطُ بابنته وهي تتمسك بذراعه لتعبر الطريق و يدي في يدها كان يُزيدني أمانًا و طمأنينة. مات عم محمد. ومات قلبٌ جديدٌ كنتُ أتمسك برؤيته في أفعال الحنان الأبوي الجميلة مع ابنته. مات عم محمد لأنني لا بد أن أتركها بما فيها من جمالٍ وزينةٍ زائفة...الدنيا.

الجمعة، 12 أغسطس 2011

من وحي الألم


اشتياق
لحظة لقاء
بين الألم
فجر العناق
بين النتيجة و السبب
سمت انطلاق
بين الظواهر و الكوامل و النفاق
كان الرفاق
****
انتصاب
صُلب العواد
بئس النصاب....
اغتصاب
لحظة أمل
لحظة عمل
بعد الفضاء
*****
انقضاء
الغباء زال بالزمن
بعد العناء
طول انتظار قطر الإرادة
مزقك
قطع وصال....
بيني و بينك العذاب
اتقسم
بين الأمل والألم
وحي ارتقاء



قبل اللحظات الأخيرة أكتب

الزمن في حياتي مهم و تتوقف أهميته لدي على اللحظات الأخيرة فقط. اللحظة الأخيرة في امتحان صعب أكتب فيه كل ما أعرف و بسرعة شديدة أو أظل أفكر حتى أتذكر في اللحظات الأخيرة فأتمسك بورقة الإجابة. كذلك العمل، لا أستطيع إنجازه دون أن أشعر أنَّ اللحظات الأخيرة على وشك الاقتراب بدرجة تجعلني في موقف فاتن حمامة في مشهد الفيلم حين يقتربُ منها القطار فتحاول بكل ما أوتيت من قوة أن تفتح مقابض السيارة و لكن القطار يمر فتأتي النهاية.
القطار في حياتي يمر كذلك في لحظات مصيرية أخيرة، لا أشعرُ أنني أنجزتُ قبل أن تأتي هذه اللحظات فإما أصرعها أو تصرعني فأتخلى عن تمسكي بالعمل الذي أنجزه.
عقاربُ الساعات أستمعُ إليها أحيانًا فأخشاها و أخالُها قطارًا آخر يقتربُ ليصرعني.
أكتبُ الآن كلماتٍ قد أوشكت عقاربُ الساعة أن تُنهي مدتها فإما أن أرسلها أو أتخلى عنها. و لكن ما كتبته قبلًا يعز عليَّ أن أخفيه.

الأربعاء، 10 أغسطس 2011

لا أريد منكِ شيئًا

كنتُ ومازلتُ لا أريد منها أيَّ شيء. أحيانًا أسرح بفكري و تعز عليَّ أشيائي و كتبي التي أراني أنجبتها بدلًا من أبنائي الذي يدوي صوتهم في الفضاء اللاشعوري عندما أخالُني أُمًّا لهم تسعى لإسعادهم. الآن فقط قررتُ ألا يكون لي في هذه الحياة ذكرى. الآن فقط أشتاقُ إلى طفلٍ رضيع ممددًا بجواري في قبري. الآن فقط لا أرى عن الموت تراجعًا. لا أحبها تلك الحياة دون من أحببتهم و أحبوني.
حاصرتني صورهم جميعًا أجدادي و جداتي و كل أقاربي الذين أخذهم عني الموتُ بعيدًا. رأيتهم جميعًا يحيطون بي. أنا لا حياة لي بهذه الحياة؛ فهي لكم، أما أنا فلم أعش سوى لحظات أبكتني فيها و علت شفاهي الابتسامة للحظات.
وداعًا يا قلمي وداعًا. وداعًا يا أحرفي...!

زي النهاردة يا مصر











كان انتصارك
يوم العبور
زي النهاردة يا مصر كان الفرح

بس النهاردة يا مصر الحزن مالي
الربوع
**********
زي النهاردة اتوهمنا إن الفوارس رجال
نزلوا يقيموا بلدنا ويزينوا جبهة ميدان
و يشيلوا حزنك يا غالية و يمسحوا لك دموع
أتاري حزنك يا غالية ما يمسحوش جربوع
**********
زي النهاردة يا أمي كان انتصار الرجال
فرح الشوارع بنصرك جوه قلوب العيال
عدوا علينا السنين لقينا قهرك ملاكي
صبح شهيدك ولادك واللي قتلهم بكاكي
وبدلة ميري و سلاح واقف بيدي التمام
لكل غادر و آثم عامل قصادك همام
**********
زي النهاردة كان اجتياح
العدو عدوك و الخير حبيبك
و الأخ ساندك إيده ف إيدك
بس اللي باين إنه ناسيكي
ناهب ولادك خيره ما ليكي
و اللي ماليكي فرحك و شال
غزلك و نسجك فرح العيال
كله ما ليكي كله ما ليكي
لكن لغادر ناهب ما ليكي
حالف ليبقى حزنك ماليكي
نزفك و دمك ع الأرض سال
حزنك جبال
حزنك جبال
فين الرجال؟
فين الرجال؟
من تحت شمسك وقفوا لحارسك
هتفوا بقوة يلعن مجالسك
يلعن ترابك اللي باعوه جزم البيادة اللي تآنسك
ولسه حارسك ماله ماليكي
مالك و وِلدك دمك ما ليكي
و اللي فاضلك عمره ما ليكي
حالف يذلك ينهب ما ليكي
زي النهاردة

الاثنين، 8 أغسطس 2011

عندما يتوقف الكلام على طرف القلم

تسعى لتتحدث إلى النفس بما مضى
عندما تسقط الأحرفُ من فوق الأسطر
تداعب العينان كلمات رسخت على ما فوق أسطرها من قبل
***
عندما صمت قلمي عن الكتابة
استحضرتُ الماضي
ليقص عليَّ ما كنتُ أفعلُ فيه
ترنحت الذكرياتُ على أحبال و ستائر أحزان الحياة
************
عندما نسجت الذكرى خيوطًا من ذهب
قررتُ الارتحال إلى شاطئ النهاية
ووجدتك هناك تقف
باغتتني الصدفة حين التفتَ إليَّ
وقتها كان الرحيل أقوى من الحب الذي
ادخرتُهُ لكَ يومًا بين قلبي و القلم و السطور

جواب ترشيح

انتظرته مليًّا و كم حلمت بهِ. جاءني يومها يرتدي بنطاله القصير و قميصه الأبيض يتقدم ليطرق الباب. أنظر من خلف الباب أجده بلحيته السوداء التي تتزين بالأبيض و نظارته القاتمة و بيده أوراق كثيرة لا أدري أي الأوراق كانت تخصني من بينها. توقعتُهُ يأتيني بخطاب. لكنني فوجئتُ بأنه خطاب الترشيح. استلمته أنا و أخي الذي كان يتمنى لي هذه الكلية؛ فمنذ دخلنا معًا المدرسة و نحن لم نفترق إلا عندما دخل هو مدرسة الخديوية الثانوية و دخلت من بعده أنا مدرسة الحوياتي الثانوية. رأيتُ إلحاحه المستمر عليَّ في أن أدخل كلية الألسن، في حين أصر أنا على دخول كلية الإعلام لتحقيق حلمي في أن أصبح مذيعة أو صحفية و هي ميولي التي أعشق الاستمرار بها.
تلقى أخي خبر دخولي الكلية التي طالما رشحها لي. كنتُ فرحة للغاية و كانت للجميع مفاجأة؛ إذ أن بعضَ الأقارب لا يحبون الخير لي فأذكرُ مَن اتصلت بي لا لتهنأني مثلما فعل الآخرون بل لتحذرني من دخولها و من الرسوب بها و من غلاء كتبها و من أشياء كثيرة ابتدعتها هي و غيرها لتعترض حُلمي. وإذا بوالدتي تقول لي: ما تسمعيش كلامهم.
في الوقت الذي كنتُ أراجعه من فترة لأخرى و أقرأ كل تفاصيله كنتُ أتذكر الموقف عندما ذهبتُ لأول مرة مع رشا زميلة الدراسة التي جاءها نفس الجواب بنفس الكلية لتلتحق هي بقسم اللغة الألمانية و ألتحق أنا بقسم اللغة الإيطالية التي أحبها كما كنتُ أفعل في سنتي الدراسة بالمدرسة الثانوية، وقتها كنا نحاول أن نتعود الذهاب بمترو الأنفاق و في الطريق أراقبُ كل التفاصيل من حولي، تفاصيلُ المكانُ الكبير الذي يكبرني و يضم حلمي. نسيرُ خلف السائرين في طريقنا اللولبي إلى الجامعة. عندها أتوقفُ كالعادة لأسأل المارة عن الطريق، و تسخر هي من فعلتي إذ كانت أغلب أفعالي لا ترُوقها حتى لو كنت على صوابٍ، فهي تريد لنفسها القيادة. أستوقف بالقرب من الجامعة أحدَ المارة لأسأله: هي دي كلية عين شمس.... قصدي جامعة عين شمس. أضحكُ من نفسي و تضحك هي مني. أُريهم جواب الترشيح، و أدخلُ بصحبتها.
في كل مرة أقلبُ أوراقي القديمة أتفحصهُ جيدًا و أريه نفسي و أُملي عيني منه. أعتقدُ أنني قد ألفته حتى نشأت بيننا علاقة قوية تربطني بأول بشرى غالية عليَّ ظلت معي لأيامٍ حتى استخرجتُ أول كارنيه جامعي مازال أيضًا ضمن أوراقي الكثيرة القديمة التي يتربع هو على عرشها...إنه...جوابُ الترشيح.

الأحد، 7 أغسطس 2011

أ.محمد عطوة..أ.عاطف حسين... مباراة حب جميلة لأجمل شابين

كنتُ بالصف الرابع الابتدائي في أول مرة يدخل فيها المدرسة أستاذا اللغة العربية: عاطف حسين، ومحمد عطوة. أتذكرُ جيدًا أستاذ محمد عطوة بنظارته الكبيرة التي كانت تخفي نصف وجهه. كان يرتدي بدلته الرمادية و كانت ضحكته تهز كتفيه قبل أن تُرى على ملامح وجهه. أما أستاذ عاطف فكان طويلًا جدًّا و لم أكن أعرفه بالقدر الذي عرفتُ به أستاذ محمد عطوة.
في المدرسة التي شهدتهما لأول مرة أستاذين للغة العربية في منافسة جميلة جمعتهما بين جدران الفصول، كنتُ أراهما إخوة و أكثر بكثير من مجرد معنى الأخوة. كانا بالتأكيد يختلفان لكنني كنتُ أراهما يتكاملان. كنتُ أحبُ اللغة العربية شعرًا من أستاذ محمد عطوة، و الدين كذلك كان له سحره الخاص كمادة من المواد المقررة علينا في سنواتنا الدراسية. مازلتُ أذكر خطه على السبورة في الفصل. كنتُ بالصدفة في دار الكتب لأراه في مكتبة الكبار. المكتبة التي تجاور مكتبة الأطفال التي طالما اصطحبتُ أخي الأكبر واختطفتهُ من متعةِ اللعب بالكرة أو بالدراجة أو الذهاب إلى النادي. كانت مكتبة الطفل واسعة كبيرة و ربما لو دخلتها اليوم لا أجدها بنفس السعة و البهاء الذي كثيرًا ما يخدعنا و نحن صغار فنرى الشقة بأضعاف أضعاف مساحتها و نرى السقف مرتفعًا كثيرًا لأعلى أعلى الدرجات. أمسكتُ كعادتي بيدي الصغيرة قصة مغامرة جديدة لمحبوبي: تان تان. و أثناء سيري معه في الأدغال قاطعتني أمينةُ المكتبة و طلبت مني في هدوء معهود بالمكتبة أن أُحضرَ إليها شيئًا من زميلتها التي بالمكتبة المجاورة. أسرعتُ إلى المكتبة المجاورة فكنتُ أتخيل السنوات تمرُ كالرياح و أراني أجلس بين دفتي كتابٍ كبيرٍ متسخُ بالأتربةِ تغلفه ألوانٌ قاتمة كالبني و الأسود و الأخضر. و إذ بي أجده و لا أصدق عيني في البداية، هل هو أستاذي/محمد عطوة أم انني أحلم؟
إنها نظارته.. و هذه هي بدلته.. و هذه جلسته التي اعتدت عليها. إذًا فلأقترب. و كأنني أصبتُ فوجدته بابتسامةِ الأب الحنون يقلبُ صفحات الكتاب و يتوقف ليؤكد لي أنه هو هو.
هذا هو أستاذي. علت الابتسامة شفتي و تهلل وجهي بالفرحة. و تمنيتُ العمر يمر لأجلس معه على نفس الكرسي في مكتبة الكبار.
كان أستاذي محمد عطوة بالمدرسة يشجعني كثيرًا و يُثني عليَّ و على ما أصنعُ من أنشطةٍ أسعى بها إلى التفوق. أتذكره و هو يهنئ معلمتي فن الإلقاء باختياري لتمثيل المدرسة. و أتذكره يقف مع أستاذ عاطف حسين و هما يستندان إلى درابزين المدرسة يتجاذبان الأحاديث الشائقة.
كان أستاذ عاطف كذلك محبوبًا في فصله، و لكنني عندما نجحتُ في اجتياز امتحان النحو الذي نقلني من فصل أولى تالت إلى فصل أولى رابع الذي يُدرِّس فيه اللغة العربية للطلاب، كنتُ أستغربه و لا أتوقع منه تقبلًا لي، و كيف يتقبل مَن كانت في فصلٍ أقل في المستوى من فصله الذي يدرس فيه منذ بداية العام. هذا الموقف بالذات قطع الصلة القوية بيني و بينه كأستاذ إذ عاقبني لأنني لم أستأذنه أثناء الدرس في شرب الماء من زمزميتي، فنشبَ أولُ خلافٍ بيني و بينه. بعدها عدتُ من جديد إلى فصلي أولى تالت.
في الصف الثالث الإعدادي لم يكن لديَّ خيارٌ آخر إذ فُرِضَ عليَّ أن أتقبله. كنتُ أجلسُ في أول مقعدٍ بالفصل و كثيرًا ما كنتُ أنسى لكنني كنتُ أكثر حرصًا من ذي قبل في أداء الواجبات المنزلية.
لا أنسى أبدًا عندما اختارتني ميس سوسن حنفي لكي أؤدي دورًا صغيرًا في مسرحية: صيحة الملائكة. كنتُ كذلك أغني ضمن المسرحية من تأليف أستاذنا رحمه الله أ.أحمد عبد النبي. دخل علينا أستاذ عاطف ليُصحح لنا في الكواليس ما كنا نغنيه باللغة العربية: من أجلِ تحقيقِ الآمال. تحقيقِ بالكسرة يا جماعة لا تنسوا.
و تمرُ السنوات و يدرس أستاذ عاطف اللغة العربية لجيل بعد جيل. ابن خالي تلاني و تلته ابنة خالي و الأجيالُ تتالى. و لا أنسى أبدًا عندما كان جميع أبنائه من فصله ينادونه في أتوبيس الرحلات ليُغني لنا: يا ملتقى الصحبة يالالالي يا وردة في الصحبة يالالالي منورين في القعدة تملي يا صحبجية إيه يالالالي عايزين شوية إيه يالالالي حبة آهات على ليلي على عيني على ترالالالي.

السبت، 6 أغسطس 2011

لماذا أقلعتُ عن القراءة؟


كنتُ في الكلية عندما غافلني وسط الزحام أحدُهم و أعطاني ورقة عشرين جنيهًا مزيفة. هرعتُ إلى مكتب قائد الحرس بالكلية و الذي توسمتُ فيه خيرًا ما أنزل الله به عليه من سلطان. إذ تهكم و أخذت السخرية منه مأخذًا دفعه ليقول: عارفة كام ورقة من دي مزيفة في البلد؟ دا رئيس الجمهورية زمانه معاه منها. و لما طالبته باتخاذ أي إجراء أو موقف يثلج صدري و لم يجبني إلا بنفس نبرة التهكم و الاستهزاء، قلت له إنني سأذهب إلى عميد الكلية. فقال: إن شالله تروحي لرئيس الجمهورية.

وفي غرفة العميد أنكرت السكرتيرة وجوده كالعادة. ذهبتُ لوكيل العميد فإذا بالسكرتيرة ترد ببرود و هي تقرأ الجريدة: مش موجود و لو موجود مش فاضي لك. فقررتُ أن أذهب إلى رئيس الجامعة. و في طريقي انضم إليَّ زميلٌ بالجامعة، وصلنا لمكتب السكرتير فإذا به ينهرنا و يدفعنا بعيدًا عن المكتب بحجة إننا متطاولون. أتوجه إلى أمين الجامعة و هي سيدة آنذاك، لأقابل بحفاوةٍ لم أجد لها نظيرًا من قبل لدى أي مسؤول آخر بالجامعة. استمعت السيدة إلى كل ما قلت في تركيزٍ بالغٍ و أمرتني أن أضع الورقة ضمن شكوى كتابية أتوجه بها رسميًّا إليها لتقوم بما يلزم.

خرجتُ من غرفتها و قد اطمأن قلبي انَّ هناك أشخاصًا مازالوا مرضى بالضمير سيتفاعلون معي. تذكرتُ نائب أمين الجامعة وقتها أو مساعد الأمين و الذي كان قريبًا لزوجة خالي و كانت دومًا ما تحدثنا عن دماثته و أخلاقياته و تواضعه، و توسمتُ فيه خيرًا أكبر مما توسمته من قبل في قائد الحرس. طرقتُ البابَ، و دخلتُ. استمع إليَّ دون أن أوضح له قرابتي بهِ و قال لي في استنكار: إذا كان أمرُ العشرين جنيهًا يُزعجكِ فإليكِ أخرى بديلة و لا تُحرري شكوى، فقلتُ له باندهاشٍ: كيف هذا؟ فقال: أنتِ مازلتِ بعد صغيرة السن و لم تري من خبراتٍ و لم تمرُ عليكِ مشاكل في حياتك. فسألته: و ماذا عن القيم و الأخلاق و المصلحة العامة و الوطن؟ فأجاب: كلها موجودةٌ في كتب الدراسة لتنجحوا و تتفوقوا و تمرُ عليكم سنوات الدراسة.

كانت الصدمة أكبر مني إذ أنني لم أعتد هذا من أحد. إذا كان هذا الرجل و غيره ممن يشتهرون بحسن الخلق و التواضع و الأخلاق لا يضربون على أيادي الآثمين في المجتمع و يستهينون بهذا الأمر الجلل، فمَن لي و لغيري؟
قررتُ من يومها ألا أقتني الكتب و ألا أقرأ كي أُريح عقلي و لا يؤرقني ضميري كلما رأيتُ من يغتالون الضمير و الحق رغم ما نسمع به عنهم من أخلاق.

لكنني أعودُ اليوم و بعد فترة لكتاباتي و قراءاتي و لكن ليس بمثل ما كنتُ يومًا بحماسٍ يدفعني بضميري أن أقرأ و أقرأ لأننا ليس علينا أن نصدق كل مَن نقرأ لهم. ليس علينا أن نصدق مَن نقتني كتبهم. فما عاد لي أصدق من كتاب الله قيلًا كي أهجع إليه وقت ضيق صدري مما يفعلُ كبار الكتاب و الشعراء لتسقط عنهم مرآة الواقع المر المُحلَّى بزيف كتاباتهم.


رانيا مسعود

الجمعة، 5 أغسطس 2011

الفدائي الصغير

أول مجلة حائط لي في مدرسة إيجيبت الخاصة المشتركة كانت: الفدائي الصغير. كنتُ وقتها في الصف الخامس الابتدائي و كانت معلمتي "ميس هويدا" قاسيةً عليَّ و كانت كثيرًا ما توبخني و تجرحني رغم أنني كنتُ أحبُ اللغة العربية. تكوينُ فريق الصحافة لم يكن سهلًا، و قد سعيتُ أن أنضم إليه بكل الطرق الممكنة. كنتُ أريدُ أن أصنعَ مجلةً بأي وسيلة و لو بسيطة. إصراري دفعني أن أتجاهل ما كانت تقوم به "ميس هويدا" من توبيخ و إهانة لكي أصل إلى شرف تعليق المجلة التي كتبتُ كلَّ تفاصيلها بيدي و حتى الكاريكاتير رسمتهُ كذلك بيدي. و رغم ذلك كانت "ميس هويدا" ضد تعليق المجلة على الحائط. أتذكرُ أنني لم أستخدم الورق المقوى و المسمى بالكارتون لأنه وقتها كان مكلفًا بالنسبة لي؛ فصنعتُ من دفتر أوراقٍ كبيرٍ نفس الحجم الذي يماثلُ تمامًا حجم الورق المقوى الذي نستعمله في عمل اللوحات الإرشادية و الوسائل التعليمية لتعليقها على حائط فصلي: خامسة/رابع.
عندما علقتُ المجلة جذبت أنظار الجميع بما لا تهوى نفسُها، فقررت أن تنتزعها عن الحائط بعد فترةٍ بسيطة. لم تكن كراهيتي لـ"ميس هويدا" تثنيني عن حبي للغة العربية، و لكنها كانت فقط تجعلني أكرهُ أوامرها في حفظ النصوص المقررة حتى و إن كانت قرآنًا. حاولتُ كثيرًا التقرب إليها لكنها كانت تفتعلُ الإهانة لكي تزداد لدي كراهيتها. أكثرُ ما كانت توبخني به هو أنني ممتلئة الجسم و هو ما كان يجعلها دومًا تسألني عن إعرابِ كلمة فتهُمُّ رانيا محمود زميلتي في الفصل بالجواب عنها، فتصرخُ فيها قائلةً: مش رانيا أنتِ... و تردفها على الفور بـ "التخينة".
أظنُ أنه ما مِن مُعلمةٍ كانت تكره تلميذتها إلى هذا الحد مثلما فعلت "ميس هويدا" بي. لكن آيات الذل و العذاب لديَّ لم تكن بنفس القدر الذي رأيتهُ حين انتزعت عن حائط الفصل أول حُلمٍ لي خططتُ له و نفذته بأكمله حتى أُعجِبَ به كلُّ زملائي و زميلاتي، إنه: الفدائي الصغير.

الخميس، 4 أغسطس 2011

الزلزال

عندما عدتُ أنا و أخي من المدرسة و كنتُ في الصف الأول الإعدادي بالمدرسة فتحتُ كعادتي التليفزيون و جلستُ و لأول مرة خلعتُ ملابسي بسرعة و ارتديتُ ملابس المنزل. كان الأمر بالنسبة إلينا غريبًا حيث لم نكن نعي معنى كلمة(زلزال)، بل ظننتُ أنا و أخي أن أبناء الجيران يلعبوون كعادتهم فيفسدون علينا لحظات حياتنا و هو ما يفسره السؤال الذي طرحته بعيني حين نظرتُ إلى أخي عندما اهتزت (نجفة) الصالة؛ فوجدته يُجيبني بلا تردد: تلاقيهم ولاد الذين اللي فوقينا.
و فجأة ازداد الأمر فأصبحت الأرض تهتز بنا و عندها قرر أخي أن البيت ينهااااااااااااااار....
و لأول مرة، فلم يفعلها أخي طوال عمره إلا مرات قليلة، أمسك أخي بيدي بقوة و جذبني منها لأجد نفسي أنزل معه سلم العمارة حتى وصلنا إلى المدخل فصرختُ فيه: تيتة فوووووووووووق.. و دون تردد يسرعُ أخي ليحضرها.
كان لكلٍّ شأنه عندما غادر جميع من في المنزل و المنازل المجاورة على غفلةٍ وسط أسئلةٍ لما نتعرضُ إليه و ماهيته بالضبط.
انتهى الزلزال، و خشينا أن نصعد مجددًا إلى أن اقتنعتُ أخيرًا أن البيت لا ينهار كما فسرنا و أن ما حدث هي ظاهرة حدثت لجميع المنازل المجاورة أيضًا.
عند صعودي وجدتُ جدتي و هي في آخر طابقٍ و لم تكتفِ بهذا، بل صعدت لتمسك بنافذةٍ صغيرة قبل أن تصل إلى سطح المنزل. و وجدتُ كذلك أخي بجوارها و قد التفت قدماها بقماشٍ كانت تصنع منه غطاء كراسي الصالون الجديد. و لما سألتها لماذا صعدت و لم تنزل كما فعل الجميع بالمنزل، قالت لي: عشان أبقى فوق الوش.
:.)

الأربعاء، 3 أغسطس 2011

حلة محشي

مع رؤية رمضان كان الجميعُ يستعد، و لكن استعداد الجدة كان يسبقها بكثييييير، فمنذ الخامس عشر من شهر شعبان كان الجميع يلتقيها في مناسبة من المناسبات الجليلة و هي ليلة النصف. كانت الجدة تنشغل يوميًّا بالنتيجة المثبتة على جدار حائط المنزل، و أحيانًا لديها أكثر من نتيجة في كل يومٍ تمرُ بعد صلاة الصبح و شرب اللبن لتقطع أوراق كل نتيجة منهم و تقرأ باهتمامٍ شديد النصائح و الحِكم على كل ورقة صغيرة حتى و إن لم تسعفها عيناها لذلك.
كانت تقرأ الشهر الهجري و الميلادي و تهتم بالهجري و القبطي اهتمامًا شديدًا؛ فمن الشهر القبطي ستعرف الموسم الصيفي أو الشتوي، و عندها تطلقُ حكمةً أخرى لا تقل أهميةً عن باقي الحكم. فمثلًا تقول: اللي ياكل ملوخية ف أبيب يجيب لنفسه كل يوم طبيب.... بابة: ادخل و اقفل البوابة... طوبة: يخللي الصبية عرؤوبة... و هكذا و هكذا...
أما الشهر الهجري و هو أكثر ما كانت تهتم بهِ، كان مهمًا بالنسبةِ لها أهميةً شديدة فقد كانت أكثر الناس حرصًا على إقامة المواسم و المراسم الخاصة بإعداد البطة الشهية لكل ابن و ابنة لها. تجلسُ بعناية لترتب للموسم بشراء البط و القلقاس و بعض الخضراوات. أما الفاكهة فقد كان لها شأنها الخاص إذ كان يفاجئها بها أبناؤها في آخر يوم المناسبة لدى عودتهم من العمل.
في أول أيام رمضان تأتيها الابنة بكرنبة كبيرة للغاية لتقوم هي بسلقها و تقطيعها بسكينتها الألومنيوم التي تفضلها عن باقي أدواتها القديمة. كنتُ كثيرًا ما أشارك معها في لف أوراق المحشي و كنا نسهرُ الليل بطوله نمضيه معًا بجميل حكاياتها و ذكرياتها عن رمضان و باقي أشهر السنة منذ كانت طفلة صغيرة تعيش مع أمها في بيت جدها الذي توفاهُ الله على فراش المرض و هو يصلي و يرفع إصبعه للشهادة في يوم الجمعة، حتى ذكريات العام الذي يسبق جلوسنا لإعداد حلة المحشي.
أجمل ما كانت تتميز به هي طريقتها في لف المحشي و رصه في الحلة الكبيرة. و أجمل ما كانت تمتاز به أكلاتها أنها بطعم الحب الجميل و القلب الكبير الممزوج بخليط من الرعاية و الحماية لنا جميعًا.
أثناء الإفطار تجلس على المائدة و أنا بجوارها و جميع الأبناء و الأحفاد يجلسون على الأرض بعد أن افترشوها بالجرائد القديمة. لا تأكل قبل أن تطمئن أن كل شيء يسير على ما يرام. تحيطني بمزيدٍ من العناية و الرعاية تلح عليَّ في الأكل و تضع إليَّ المزيد و المزيد. تمد إليَّ يدها بالمحشي و تنظر إليَّ فتقول: كتير الدبكة قليل البركة.....

الاثنين، 1 أغسطس 2011

فطر سهوًا

كنا في الأيام الأولى لرمضان، و كعادتي كنتُ أرافقُ جدتي لأساعدها في بعض ما تشير عليَّ به. كان الوقت قد حان لتصلي العصرَ و كانت بحكم السن و الجسم لا تنتقل بسهولة في الشقة بل كانت تترنح في مِشيتها. و لكي تنتقل من الصالة إلى الصالون كان لا بد لها أن تعبر من السجادة السميكة إلى الموكيت في الصالون مرورًا بما قد نسميه في أغلب بيوتنا بـ المشاية.
انتهت جدتي من الصلاة و من التسبيح و كنتُ قد انشغلتُ بما أوصتني بفعله في المطبخ، و إذا بي أسمع من المطبخ صوتًا غريبًا خرجتُ على أثره، فوجدتها قد انكفأت على السجادة و من الصدمة كعادتها فقدت النطق. أسرعتُ إلى المطبخ لأحضر إليها القُلة التي لا تفضلُ أن تشرب إلا منها. و بسرعةٍ كنتُ أجلسُ بجوارها أحاولُ أن أُخفف عنها و أناولها لتشرب. و إذا بها تدفع يدي بعيدًا و أنا أُصر بشدة أن تتناول المياه كي تخف صدمتها و هي لا تستطيعُ النطق، حتى دفعت القلة بعيدًا بشدة. و عندها أخذت أحدثها و أطلب منها أن تشرب لكي تنسى الصدمة و أتأسفُ لها بانشغالي عنها و إهمالي مساعدتها في العبور من الصالون إلى الصالة. و إذا بي أسمع جارتنا تطرق البابَ. فتحتُ فوجدت الجارة جدتي ملقاة على الأرض، فحاولت مساعدتي في رفعها. و عندما ذكرتُ لها موقفي في إحضارِ المياه ضحكَتْ مني بشدة. و لما سألتُها عن سبب ضحكها قالت: رانيا..أنتِ نسيتِ إننا في رمضان؟؟؟
عندها فقط نظرت إليها جدتي و ابتسمت باستنكار و قالت لها: قولي لها و النبي!

Alla luna che abita molto molto molto lontano

Non volevo scrivere in altra lingua che l'arabo. Ma mi e' venuta la voglia di scivere adesso in italiano una nota alla luna che vive lontano lontano....
Sempre la vedevo come un viso molto triste che sta per piangere... :.(
Talvolta mi parlava... una volta mi accarezzava, ma, sempre con lo stesso modo piangendo......
Ho detto a un'amica che vedo la luna così, lei mi considerava pessimista
Ma no..
Io non sono pessimista, e la vedo piangere.
Ieri solo l'ho vista in un alrto modo....
Era molto dolce questa volta,
perché faceva la mezza luna che sembra come una mezz'anguria!!