المتابعون

الثلاثاء، 8 مارس 2011

لحظات بوح جميلة

الأيام بتعيد نفسها। بس مش عارفة هل الأحداث اللي بتتعاد أنا مسؤولة عنها و لا إيه؟ في كل سنة من سنوات الدراسة كانت في بنت أو اتنين أو تلاتة أو خمسة أو عشرة و كان في أولاد برضو بنفس العدد أو أكتر। الناس دي كانت علاقتي بيها بتتطور: في البداية بكون خايفة أندمج معهم و بحس نفسي خجولة حتى أتكلم معاهم। بعدين بقرب شوية و بكون خايفة برضو لتكون وجهة النظر عني إني بنت مش مؤدبة। بعدين ممكن أندمج بعد فترة و نبقى أكتر من الإخوات। المشكلة بعد الأخوة। في البداية علاقتي بيهم لما بتكون سطحية بلاقيهم بيكنوا كل الخوف و الأدب و الاحترام، و بعد ما أندمج كل دول بيتبددوا। و رغم إني بلوم نفسي على ضياع لحظات تأدبهم معي و الرسميات التي يبدأ بها بعضهم، إلا إني بكون فرحانة بلحظات السعادة و أنا بينهم لما بنتكلم و نضحك و نذيب الثلوج ما بيننا। أوقات كنت بحس إن في ناس بتستخدم العلاقات بقلم و منقلة و مسطرة و ترسمها بشكل خشبي و عند الجد بيبقى الجد و عند الهزل مفيش كلام و بترجع تاني لحدود الجد। بس كنت بسأل نفسي ليه أنا حتى لو حبيت أعود للحظة الجد مرة أخرى بفقدها؟
قطعًا دا تقصير مني في شيء ما لا أستطيع معرفته، و لكن كانت برضو في حلقة مفقودة في علاقتي بالناس। أحيانًا كنت بظن إن شكلي منفصل عن صوتي و دا اللي كان بيخليني أبص ساعات للمراية و أنا بتكلم و أستغرب إن صوتي و نفسي اللي بتتكلم دي مش متركبة على شكلي و حركة فمي و أسناني و لساني و كل جسمي। لما كبرت شوية بدأت أدرس علم نفس و عرفت معنى تقبل الذات و إني لازم أتعرف على النمط اللي أنا فيه: نمط انبساطي أو انطوائي। لأ ما كنتش بصنف نفسي إني انطوائية و ما زلت و دا لأني بحب الناس و بحب أستمر بينهم و بحبهم بشكل ممكن ناس تلومني عليه رغم إساءة ناس كتير منهم لي و ردهم لحبي و تقربي منهم بشكل فوق الفظيع। ناس كانت بتلومني و كانت بتقول إني بتباسط مع الناس و بطمعهم فيَّ بس أنا كنت بشوف الناس الطماعة و مازلت غلابة أوي أوي। أصل اللي هيطمع في كرمي أو في أي شيء من دا و يفتكرني عبيطة أو ساذجة دا أعبط ما يكون لأني برضو ببقى فاهماه كويس بس بأشفق عليه من نفسه। المهم كلمة و وجهتها ليّ زميلة عمل في يوم من الأيام لما قالت: أنتِ أصلك شكلك مستفز। و لما طلبت منها توضيح فقالت: شكلك و طيبتك بتستفز الناس تتعامل معكِ بصورة سيئة। في ناس ممكن تتعامل على إنها عبط منك أو سذاجة و في ناس ممكن تتعامل على إنه برود و المهم إننا مش ملايكة عشان نتقبل نمط شخصيتك। بالمناسبة أنا مش بعمل أكتر من إني ببوح بكلام صحيح و مش كلام أقصد من وراه النرجسية أو غيره عشان أنا هلمح بعدين على وش كل واحد بيقرأ كلامي علامات الاستغراب و ممكن اتهام بالغرور। المهم إن مساحة البوح زمان كانت لا تتخطى درج مكتبي أو أجندتي اللي كنت بكتب فيها و بكلم أقرب الناس إلي و هي و لا دريانة بأي حاجة। كنت حتى بتعمد أسيب الأجندة مفتوحة يمكن تقراها و تقرأ الكلام اللي حابة أوجهه ليها لكن و لا حاجة من دي كانت بتحصل। في أول سن المراهقة كنت بشوف بعض صاحباتي مامتهم بتكلمهم و بتاخد رأيهم و أنا كنت بحاول و كنت بحاول أخرج من مدرستي و أتعلل [أي شيء و انتظرها تخرج من شغلها و تكلمني، بس كان كلامها ليّ مش أكتر من كلمتين في المحدود خالص। كانت بتسمع مني و بحس في طريقة سمعها بعدم إصغاء أو وعي أو إدراك لأهمية كلامي مهما كان مهم। كنت بتضايق ساعات لما بسمع من واحدة صاحبتي بتحكي عن نفسها و تقول: أنا ما ليش صاحبات عشان مامتي هي كل صاحباتي। لما كبرت شوية و لقيت نفسي أكتر باقترابي بالجدة لقيت إن لحظة اقترابي منها بتختلف تمامًا। ست تانية خالص غير بنتها। بتعلمني و تشجعني و حتى لو حبت تغير في مش بتحرجني قدام حد أو على الأقل بتنبهني و لما بكرر الغلط بتشكيني بلوم قدام أي حد مقرب بطريقة ذكية। بس في النهاية كنت بحس معاها بالشيء اللي مفتقدة إني أحسه مع بنتها। حالتي مع ربنا و قربي منه بحسها خالص لما ربنا بيجيب لي دعاء و لما بكون في أحلك المواقف و بخرج منها بفضله। بحس كتير إنه أقرب مني لي و مش عايزة أقترب من ناس بحبهم زي اقترابي منه। رسائل كتيرة بيبعتها لي و بصدقها و بتحصل। و برضو مش عايزة إن لحظة بوحي بكدة تكون وابلاً عليَّ و أرى في أعينكم نظرة استنكار لكلامي عن علاقتي بيه। الموت بالنسبة لي حاجة مش مخيفة رغم إني زمان لما كنت بحس بقربه مني و أنا نايمة جنب تيتة على السرير كنت بقوم من نومي مفزوعة و بصلي و أبكي عشان ربنا يبقيني حية معاها و كنت بحس الدنيا حلوة و بخاف من قربي بالموت। بمرور الوقت اتعلمت يعني إيه موت و كونت فكرتي عنه। الجسد زي كرة قدم منفوخة بالروح تقدر الكرة تمشي و تتشاط و تكون هدف لكن مجرد ما يخرج منها الهوا لفووووووووق الكرة لا تصبح سوى كيس بلاستيك لا قيمة له। أهو الكيس دا اللي بينزل قبرنا। أما الهوا فدا الروح و هي اللي بتصعد في السما। عمري ما شفت حد ميت أو بيموت على الحقيقة باستثناء لحظات الاحتضار التي تسبق الموت بأيام। شفت في اللحظات دي غرفة فيها سرير عالٍ و على السرير سيدة ترتدي السواد قيل لي إنها كانت أم فكري। كنت بتخيل الست و الغرفة و شكل الموت إزاي بيجيها عشان أنا لما هي ماتت كنت صغيرة أوي تقريبًا كدة أربع أو خمس سنوات بالكتير। تيتة لما ماتت كان قلبي حاسس بس أنا بكيتها قبلها بكتييييييييير أوي لما كنت بمشي في الشارع أو بركب أتوبيس و أتخيل إن مرضها ممكن يخطفها مني في لحظة و تموت و أجرب أكون لوحدي من غيرها। كنت ببكي في الأتوبيسات غصب عن عيني। كنت مش عارفة أوقف دموعي بس لما كنت بروح البيت و ألاقيها كنت بفرح و كنت بخاف برضو من لحظة موتها। دلوقتي الموت عندي مش أكتر من كونه كيس بلاستيك بيتفضى يعني الجسد لا قيمة له بينما الروح بتطلع للسما عند ربنا। إحساس حلو لما أبقى مطمنة إن تيتة عند ربنا و إن الكيس البلاستيك بس هو اللي في التراب। و كمان إحساس أحلى إني أكون متأكدة إن أنا كمان هكون كدة و إن الحياة اللي إحنا عايشينها دي مدة بسيطة خالص و اللي فات من الزمان و اللي جاي مش هيساوي أي حاجة لو دخلنا بإذن الله و برحمته الواسعة كلنا الجنة। كانوا بيحكوا عن ماشطة فرعون و آسيا زوجته و إزاي هما بيتنعموا في الجنة من ألف و ربعميت سنة الرسول شافهم و من قبلها بآلاف السنين ماتوا و عاشوا في نعيم الجنة। بتخيل كل أحداث القيامة و بتخيل مدرس الدين و هو بيسألنا عن الغمامتين اللي كنت بحس إنهما يظللاني يوم القيامة। بتخيل العرق و الشمس قرب الرؤوس। بتخيل الجنة و نعيمها و الحوض و الرسول و إزاي هنكون قرب ربنا و إزاي هنلبس سندس و إستبرق। بتخيل الفاكهة التي لا هي مقطوعة و لا ممنوعة। بتخيل كمان شيخنا و هو بيقول في حديثه جارية من حور الجنة زوجة لسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه। بتخيل نفسي الجارية و بتمنى أكون هي। و هو دا الحلم اللي بيبعدني إني أكون زوجة أو حبيبة لشخص تافه لا يمتلك من صفات سيدنا عمر شيئًا।
يا ترى بعد البوح دا هستريح إني فضيت كلمتين كانوا على قلبي و هيفرحوني لما أقراهم حتى بيني و بين نفسي؟ و لا هيتعبوني لما أتخيل نفس كل واحد و واحدة فيكم و هو أو هي بتقراها و برضو بتغلط في حكمها عليَّ و بتسيء الظن بيَّ كالعادة؟ و ساعتها هأؤنب نفسي لكتابة الكلام دا كله و إنه خرج من أجندة كانت مفتوحة على المكتب و كان نفسي برضو إنها تقراها و عمرها ما هتقراها عشان أنا كتلة كبيرة أوي لا تهمها في شيء.